القائلون بأن النظر الصحيح المقرون بشرائطه يستلزم العلم ، اختلفوا في أن النظر الفاسد (١) قد يستلزم الجهل ، أي الاعتقاد الغير المطابق. فقال الإمام : يستلزمه لأن من اعتقد أن العالم قديم ، وكل قديم مستغن عن المؤثر استحال أن لا يعتقد أن العالم غني عن المؤثر.
وقيل : إن كان الفساد مقصورا على المادة يستلزمه وإلا فلا.
أما الأول : فلأن لزوم النتيجة للقياس المشتمل على الشرائط ضروري ابتداء أو انتهاء ، سواء كانت المقدمات صادقة أو كاذبة ، كما في المثال المذكور.
وأما الثاني : فلأن معنى فساد الصورة أنه ليس من الضروب التي تلزمها النتيجة ، والصحيح أنه لا يستلزم الجهل على التقديرين ، أما عند فساد الصورة فظاهر كما مر (٢) وأما عند فساد المادة فقط بأن تكون الصورة من الضروب المنتجة (٣) فلأن اللازم من الكاذب قد لا يكون كاذبا كما إذا اعتقد أن العالم أثر الموجب بالذات ، وكل ما هو أثر الموجب بالذات فهو حادث ، فإنه يستلزم أن العالم حادث. وهو حق مع كذب القياس بمقدمتيه ، نعم قد يفيد الجهل كما إذا اعتقد أن العالم قديم (٤) وكل قديم مستغن عن المؤثر.
والتحقيق : أنه لا نزاع في أن الفاسد صورة لا يستلزم بالاتفاق ، والفاسد مادة فقط قد يستلزم. وقد لا يستلزم فمراد الإمام الإيجاب الجزئي كما في المثال المذكور.
__________________
(١) في (ب) هل بدلا من (قد).
(٢) سقط من (أ) لفظ (كما مر)
(٣) راجع كلمة عن الضروب المنتجة في هذا الجزء.
(٤) القديم في اللغة : ما مضى على وجوده زمان طويل ، ويطلق في الفلسفة العربية على الموجود الذي ليس لوجوده ابتداء ويرادفه الأول. قال ابن سينا : ويقال قديم الشيء إما بحسب ذاته وإما بحسب الزمان. فالقديم بحسب الذات هو الذي ليس لذاته مبدأ هي به موجوده. والقديم بحسب الزمان هو الذي لا أول لزمانه (النجاة ٣٥٥).