المبحث الرابع
في التوصل بالنظر إلى معرفة الله تعالى
(قال : المبحث الرابع : لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب النظر في معرفة الله تعالى لكونه مقدمة مقدورة للمعرفة الواجبة مطلقا ، أما عندنا (١) فبالشرع (٢) بالنص والإجماع (٣) إذ حكم العقل معزول لما سيجيء ، وأما عند المعتزلة فعقلا لكونها دافعة لضرر خوف العقاب وغيره ، ورد بمنع الخوف في الأغلب لعدم الشعور ، ولو سلم فالخوف بحالة لاحتمال الخطأ وكون العارف أحسن حالا ليس على إطلاقه بل البلاهة أدنى إلى الخلاص ، كما في الصبي والمجنون ، وقد ينازع في إمكان إيجاب المعرفة لما فيه من تحصيل الحاصل أو تكليف الغافل ، وفي الإجماع على وجوبها ، فلقد كانوا يكتفون بالتقليد والانقياد وفي أن النظر مقدمها فقد تحصل بمثل التعليم والإلهام ، وفي إطلاق وجوبها إذ هو مقيد بالشك أو عدم المعرفة ، وفي وجوب المقدمة لجواز إيجاب الأصل مع الذهول عنها ، فيجاب بأنه لا غفلة مع فهم الخطاب ،
__________________
(١) أهل السنة : الذين يلتزمون بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم.
(٢) المبعوث به النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن دليل النص قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فإنه يدل على نفي العقاب قبل بعثة الرسول. ونفي العقاب يستلزم نفي ملزومه وهو التكليف إذ لا عقاب إلا مع تكليف ، ونفي التكليف يستلزم نفي الوجوب فإذا هو نوع منه قبل الشرع فيكون حصوله بالشرع إذ لا قائل بثبوته بغير العقل والشرع ، فإذا انتفى بالعقل لزم ثبوته بالشرع وهو المطلوب ومن الدليل قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) لأنه أمر بالمعرفة وكل أمر فهو للوجوب حقيقة.
(٣) لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أمتي لا تجتمع على ضلالة».