بين الصور الذهنية ، والأعيان الخارجية ، لا معنى لفهمها والعلم بها سوى حصول صورها ، (١) كان بمنزلة أن يقال : يحصل من حصول الصور حصول الصور.
قلنا : المراد أنه إذا حكم على الأشياء كان الحاصل في الذهن هو الصور ، ويحصل منها الحكم على الأعيان الخارجية. فإنا إذا قلنا : العالم حادث ، فالحاصل في الذهن صورة العالم وصورة (٢) الحدوث ، وقد حصل منها العلم بثبوت الحدوث للعالم الموجود (في الخارج فإن قيل نحن) (٣) قاطعون بأن المواضع إنما عين الألفاظ ، بإزاء ما نعقله من الأعيان ، وللدلالة عليها ولهذا يقول بالوضع والدلالة من لا يقول بالصور الذهنية في الخارج (٤).
فإن قيل : نحن نعم إذا لم يكن للمعقول وجود في الخارج ، كان المدلول هو نفس الصورة عند من يقول بها كالمعدوم والمستحيل.
قلنا : مبني هذا الكلام على إثبات الصور الذهنية (٥) ، فإنه مما يكاد يقضي به بديهة العقل. ولما كان عند سماع اللفظ ترتسم الصورة (٦) في النفس ، فيعلم ثبوت الحكم لما في الخارج ، جعلوا الخارج مدلول الصورة ، والصورة مدلول اللفظ ، وأما كون مدلول الخط هو اللفظ فظاهر ، والحكمة فيه قلة المئونة ، حيث اكتفى بحفظ صور متعددة (٧) تترتب بترتب الحروف في الألفاظ ، من غير احتياج إلى أن يحفظ لكل معنى صورة مخصوصة.
__________________
(١) في (ب) صور لما.
(٢) سقط من (ب) وصورة لحدوث.
(٣) ما بين القوسين سقط من (أ).
(٤) سقط من (ب) (في الخارج فإن قيل : نحن).
(٥) في (أ) يفضي بالفاء.
(٦) يطلق لفظ الصورة على بقاء الإحساس في النفس بعد زوال المؤثر الخارجي أو على عودة الإحساسات إلى الذهن بعد غياب الأشياء التي تثيرها وتسمى بالصورة الذهنية والفرق بين الصورة التالية والصورة الذهنية ، أن الأولى تعقب الإحساس مباشرة على حين أن الثانية هي التي تعود إلى مسرح الشعور دون تأثير حسي مباشر.
(راجع النجاة ٢٦٤).
(٧) في (ب) صور معدودة.