العاقل والمعقول ، سواء كان العلم عبارة عن حصول صورة الشيء في العقل ، أو عن إضافة مخصوصة بين العاقل والمعقول ، أو عن صفة ذات إضافة (١) ، والتعلق بين العاقل وبين العدم الصرف محال بالضرورة. فلا بد للمعقول من ثبوت في الجملة ، ولما امتنع ثبوت الكليات بل سائر المعدومات سيما الممتنعات في الخارج تعين كونه في الذهن.
فإن قيل : في رد هذا الجواب أن المعقولات التي لا وجود لها في الخارج لا يلزم أن تكون موجودة في الذهن ، لجواز أن تكون صورا (٢) قائمة بأنفسها ، كالمثل المجردة الأفلاطونية (٣) على ما سيأتي. في بحث الماهية ، وكالمثل المعلقة التي يقول بها بعض الحكماء ، زعما منهم أن لكل موجود شبحا في عالم المثال. ليس بمعقول ولا محسوس على ما سيأتي في آخر المقصد.
الرابع : أو قائمة ببعض المجردات كما تدعيه الفلاسفة من ارتسام صور الكائنات في العقل الفعال ، وينبغي أن يكون هذا مراد الإمام بالأجرام الغائبة عنا ، وإلا فقيام المعدومات بالأجسام مما لا يعقل.
قلنا : الكلام في المعدومات سيما الممتنعات ، ولا خفاء في امتناع قيامها بأنفسها بحسب الخارج ، ولا بالعقل الفعال بهوياتها ، إذ لا هوية للممتنع بل غاية الأمر أن يقوم به تصورها بمعنى تعقله إياها ، وهو يستلزم المطلوب من جهة استلزامه كون التعقل بحصول الصورة في العاقل ، فترتسم الصورة في القوة
__________________
(١) في (ب) تعلق بدلا من (إضافة).
(٢) سقط من (أ) صورا.
(٣) المثل الأفلاطونية مبدأ المعرفة ومبدأ الوجود معا ، فهي مبدأ المعرفة لأن النفس لا تدرك الأشياء ولا تعرف كيف تسميها إلا إذا كانت قادرة على تأمل المثل. وهي مبدأ الوجود ، لأن الجسم لا يتعين في نوعه إلا إذا شارك بجزء من مادته في مثال من المثل.
والمثال عند «أفلاطون» صورة مجردة ، وحقيقة معقولة أزلية ثابتة قائمة بذاتها لا تتغير ولا تندثر ولا تفسد : قال الفارابي : إن أفلاطون في كثير من أقاويله يومئ إلى أن للموجودات صورا مجردة في عالم الإله وربما يسميها بالمثل الإلهية.
(راجع كتاب الجمع بين رأي الحكيمين).