«الطرطوشي» رجل مظلم الجهالة ، ومن أهل الضلالة ، وكاد ينسلخ من الدين ، بينما هو عند البعض الآخر ، حجة الإسلام ، وكاد الإجماع ينعقد على غزارة علمه وفضله.
الذي يهمنا في رأي الغزالي (١). أنه صاحب قلم جال في كل ميدان ، وهاجم في كل موقع ، ونازل الفلاسفة وكشف زيفهم ، وهاجم الباطنية وفند باطلهم ، واقترب من علماء الكلام ، ولكنه رفض منهجهم. يقول الغزالي رحمهالله في كتابه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) :
«... من أشد الناس غلوا وإسرافا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين ، وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتهم ، ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتهم التي حرروها فهو كافر.
فهؤلاء ضيقوا رحمة الله الواسعة على عباده أولا ، وجعلوا الجنة وقفا على شرذمة يسيرة من المتكلمين ، ثم جهلوا ما تواتر من السنة.
ثانيا : إذ ظهر لهم في عصر الرسول صلىاللهعليهوسلم وعصر الصحابة رضي الله عنهم ، حكمهم بإسلام طوائف من أجلاف العرب كانوا مشغولين بعبادة الوثن ولم يشتغلوا بعلم الدليل ، ولو اشتغلوا به لم يفهموه.
ومن ظن أن مدرك الإيمان «الكلام» والأدلة المحررة والتقسيمات المرتبة فقد ضيق حد الإيمان.
بل الإيمان نور يقذفه الله في قلوب عبيده» (٢).
__________________
(١) هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد ، حجة الإسلام فيلسوف متصوف له نحو مائتي كتاب ولد في الطابران قصبة طوس بخراسان عام ٤٤٠ ه. رحل إلى نيسابور وبغداد والحجاز والشام ومصر ، ينسب إلى الغزل عند من يقوله بتشديد الزاي أو إلى غزاله من قرى طوس لمن قال بالتخفيف. من كتبه : إحياء علوم الدين وتهافت الفلاسفة والاقتصاد في الاعتقاد. توفي عام ٥٠٥ ه.
راجع وفيات الأعيان ج ١ ص ٤٦٣. وطبقات الشافعية ج ٤ ص ١٠١).
(٢) راجع فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة لأبي حامد الغزالي : تحقيق الدكتور سليمان دنيا ص ٨٩.