فيكون تناقضا بمنزلة أن يقال : الماهية المعدومة موجودة ، وكذا في حمل العدم ، بل كل وصف كقولنا : الجسم أسود. فإن الموضوع إما مع اعتبار المحمول فلغو. ومع اعتبار عدمه فتناقض. فأزال ذلك الوهم ، بأن الموضوع وإن كان لا يخرج عن المحمول ، أو نقيضه وجودا كان أو عدما أو غيرهما ، لكن لا يلزم أن يعتبر فيه أحدهما ، وإنما يجيء تقيده من قبل (١) الحمل. فإن حمل عليه الوجود كان موجودا ، أو العدم فمعدوما ، أو السواد فأسود ، أو البياض فأبيض ، من غير أن يعتبر معه شيء من ذلك ، وكذا الثبوت الذهني ، وإن كان لازما ، من جهة أن الحكم على الشيء يستدعي تصوره ، وهو ثبوت ذهني لكن لا يلزم اعتباره في الموضوع ، لأن الحكم إنما هو على الذات من غير اعتبار الأوصاف لازمة كانت أو مفارقة ، فليس معنى قولنا : الماهية موجودة. أن الماهية الثابتة في الذهن موجودة حتى لو كان المحمول هو الثبوت الذهني أو نفيه ، لم يكن لغوا أو تناقضا ، إلا بالنسبة إلى من يعلم أن المحكوم عليه متصور البتة ، وأن التصور ثبوت ذهني.
إثبات صحة الحكم
(قال : ولا يشترط في صحة (٢) المطابقة (٣) لما في الأعيان ، إذ قد لا يوجد فيها الطرفان ، ولا يكفي المطابقة لما في الأذهان ، اذ قد يرتسم فيها الكواذب (٤) ، بل المعتبر (٥) المطابقة (٦) لما في نفس الأمر ، ومعناه ما يفهم من قولنا : هذا الأمر كذا في نفسه ، أي في حد ذاته ، مع قطع النظر عن حكم
__________________
(١) في (ب) من جهة بدلا من (قبل).
(٢) إثباتا أو سلبا.
(٣) أي لا تشترط المطابقة.
(٤) كما ارتسم بثبوت القدم للعالم في أذهان الفلاسفة فلو كفت في صحة الحكم مطابقته لما في الأذهان لكان قول القائل العالم قديم صحيحا لمطابقته لما في أذهان الفلاسفة فليست مطابقة الأذهان معتبرة في صحة الحكم.
(٥) في صحة الحكم وصدقة.
(٦) مطابقة النسبة الحكمية.