وعن الثالث : إن أريد بالتقرر التحقق والثبوت (١) فهو الوجود ، وإن أريد كون الماهية في نفسها تلك الماهية في الخارج ، فلم يسبق ما يدل على أن ذلك بالفاعل ، فالوجوه الثلاثة على تقدير تمامها. لا تفيد إلا كون الوجود بالفاعل.
الرابع : انه لا نزاع في أن للعلة جعلا وتأثيرا في الممكن ، فالمجعول. إما الماهية أو الوجود ، أو اتصاف الماهية بالوجود ، أو انضمام لأجزاء بعضها إلى بعض في المركب خاصة ، وكل من الأمور الأربعة ماهية من الماهيات ، فيكون المجعول هو الماهية.
والجواب : أن النزاع في الماهيات التي هي حقائق الأشياء ، لا فيما صدقت هي عليه من الأفراد ، فيجوز أن يكون المجعول ذلك الشخص الذي هو من أفراد ماهية الانسان مثلا ، أو الوجود الخاص الذي هو من أفراد ماهية الوجود كذا الاتصاف والانضمام.
دليل المخالفين في مجعولية الماهية
(قال : قالوا (٢) لو كانت انسانية الإنسان (٣) بالفاعل لما كان انسانا عند عدمه ، لنا اللازم (٤) السلب والمحال العدول (٥).
فإن قيل : معلوم أن ليس هنا (٦) تأثير في ماهية الممكن ، وآخر في وجوده ،
__________________
(١) الثبوت : عند علماء النفس هو البقاء في أحد المواقف المادية أو المعنوية مدة تجاوز الحد السوي ، أو هو بقاء التأثير في النفس بعد ارتفاع التنبيه.
والثبوتي : مرادف للوجودي ويطلق على الموجود الخارجي.
والثبوتية : هي القول أن أشكال الانواع الحيوانية ثابتة على الدهر ، وهي مضادة لمذهب التحول أو التبدل ، أو التطور.
(٢) أي الذاهبين إلى أن الماهية غير مجعولة.
(٣) مجعولة بأن تحققت بالفاعل لذاتها لما كان أي لو كانت الإنسانية بالفاعل لزم أن لا يكون الإنسان إنسانا عند عدمه أي عدم ذلك الفاعل.
(٤) قلنا : أهل السنة من المتكلمين في دفع هذه الشبهة.
(٥) يعني أن اللازم عن نفي جعل الانسانية سلب الإنسانية حتى عن نفسها في الخارج.
(٦) أي في فرض كون الماهية مجعولة.