احتجاج المخالف لمدعي اعتبارية التعين
(قال : احتج (١) المخالف بوجوه (٢) :
الأول : أنه جزء المتعين وهو موجود. قلنا (٣) : الموجود معروض التعين (٤) لا المركب من المعروض والمعارض فإنه اعتباري (٥).
فإن قيل : المتعين هو الشخص (٦) كزيد مثلا ، ولا خفاء في وجوده ، وليس مفهومه مجرد الانسان ، بل مع شيء آخر نسميه التعين ، فيكون جزءا من زيد الموجود فيوجد.
فالجواب : أنه الإنسان المقيد بالعوارض المشخصة لا المجموع (٧) ، ولو سلم فذلك الشيء (٨) هو المشخصات من الكم والكيف ، والأين (٩) المخصوصة ونحو ذلك مما وجوده ضروري ، وإنما الكلام في التشخص.
__________________
(١) احتج في اعتبارية التعيين وادعى وجوده.
(٢) خمسة.
(٣) في دفع هذه الحجة التي قال بها المجادل.
(٤) أي ذات موصوفة بالتعيين فيكون التعين وصفا لتلك الذات الموجودة ولا شك أن الوصف ليس جزءا للموصوف فلا يلزم من وجود الموصوف وجود الوصف الذي هو قيد للموصوف ونعت له.
(٥) اعتباري وإن كان جزءا للمركب فاندفعت هذه الحجة.
(٦) المتعين هو الشخص الخارجي الذي لا يشك أحد في وجوده.
(٧) من الإنسانية والشيء الزائد الذي هو تلك العوارض.
(٨) الزائد على انسانية زيد إما أن يقول الخصم انه شيء لم يتعين كونه موجودا فيبطل مدعاه ، وإما أن يقول إنه شيء معين وجوده حسا كوجود زيد حسا فلا شك أنه هو المشخصات من الكم الراجع إلى أجزائه الحسية أو الكيف الذي هو لونه.
(٩) الأين : احدى مقولات أرسطو أطلقه الفلاسفة على المحل الذي ينسب إليه الجسم فقال ابن سينا : الأين هو كون الجوهر في مكانه الذي يكون فيه ككون زيد في السوق (راجع النجاة ص ١٢٨) ، وقال الغزالي : من الأين ما هو أين بذاته ، ومنه ما هو مضاف فالذي هو أين بذاته كقولنا : زيد في الدار أو في السوق. وما هو أين بالإضافة فهو مثل فوق وأسفل ، ويمنة ويسرة وحول ووسط وما بين (راجع معيار العلم ص ٢٠٧).
وقال ابن رشد : ومثال ذلك أن الأين كما قيل هو نسبة الجسم إلى المكان فالمكان مأخوذ في حده الجسم ضرورة ، وليس من ضرورة حد الجسم ، أن يؤخذ في حده المكان ولا هو من المضاف ..