قلنا : قطع النظر عن الشيء لا يوجب انتفاؤه ، فعند الوجود لا بد من ماهية ، وأسباب فاعلية أو مادية. وبالجملة أمر يستند إليه الوجود ، فيجوز أن يستند التشخص أيضا إليه ، ولو سلم. فالوجود لا يقتضي (١) إلا تعينا ما ، والكلام في التعينات المخصوصة ، فلا يثبت المطلوب ما لم يتبين أن وجود كل فرد يقتضي تعينه الخاص.
وذهبت الفلاسفة إلى أن التعين قد يستند إلى الماهية بنفسها أو بلوازمها كما في الواجب. فينحصر في شخص (٢) ، وإلا لزم تخلف المعلول عن علته لتحقق الماهية في كل فرد ، مع عدم تشخص الآخر ، وقد يستند إلى غيرها ، ولا يجوز أن يكون أمرا منفصلا عن الشخص ، لأن نسبته إلى كل الأفراد (٣) ، والتعينات على السواء ، ولا حالا فيه ـ لأن الحال في الشخص لافتقاره إليه يكون متأخرا عنه ، ولكونه علة لتشخصه المتقدم عليه ضرورة أنه لا يصير هذا (٤) الشخص إلا بهذا التشخص فيكون متقدما عليه ، وهو محال ، فتعين أن يكون محلا له ، وما ذكرنا من نسبة الحال والمحل إلى الشخص دون الماهية ، أو التشخص أقرب وأوفق (٥) بكلامهم والمراد بمحل الشخص معروضه في الأعراض ، ومادته في الأجسام ، ومتعلقه في النفوس على ما ذكروا من حدوث النفس بعد البدن وتعينها به ، فالعقول المجردة تستند تعيناتها ، إلى ماهياتها ، فينحصر كل في شخص ، لا إلى مجرد الإضافة كعقل الفلك الأول مثلا على ما قيل ، لأن هذه الإضافة متأخرة عن وجود الفلك المتأخر عن وجود العقل وتعينه ، والاستناد إلى المادة أعم من أن يكون بنفسها ، أو بواسطة ما
__________________
(١) في (ب) لا يستلزم بدلا من (لا يقتضي).
(٢) في (ب) الشخص بإسقاط حرف الجر وزيادة (ال).
(٣) في (أ) بزيادة لفظ (كل).
(٤) سقط من (ب) لفظ (هذا).
(٥) في (أ) إلى بدلا من (أوفق).