يندفع عنه هذا المنع ، وهو أن الوجوب ، والإمكان ، والوجود والوحدة (١) والكثرة (٢) والتعين ، ونحو ذلك حالها واحد في أنها أمور موجودة عندكم ، اعتبارية عندنا ، وكل موجود فله وحدة وتعين ووجوب ، أو إمكان وقدم أو حدوث ، فلو كان الإمكان مثلا موجودا لكان له وحدة موجودة ، لها إمكان موجود له وحدة موجودة. وهلم جرا فيلزم التسلسل في وحدات الإمكان ، وإمكانات الوحدة ، التي هي أمور مترتبة مجتمعة في الوجود ، مع القطع بأن ليست الوحدة نفس الإمكان ، وكذا يلزم سلسلة من وجودات الإمكان ، وإمكانات الوجود ، وأخرى من تعينات الإمكان ، وإمكانات التعين ، على هذا فقس. ولما كان هاهنا مظنة إشكال ، وهو أنا قاطعون ، بأن الباري تعالى موجود وواجب ومتعين وواحد وقديم وباق في الخارج ، لا في الذهن فقط وكذا إمكان الإنسان وحدوثه ، وكثرته ونحو ذلك.
أشار إلى الجواب : بأن هذا لا يقتضي كون الوجوب والإمكان وغيرهما أمورا متحققة في الخارج ، لها صور عينية ، قائمة بالموضوعات كبياض الجسم ، لأن معنى قولنا : الباري تعالى واجب في الخارج ، أنه بحيث إذا نسبه العقل إلى الوجود ، حصل له معقول هو الوجوب (٣) ، ومعنى قولنا : الإنسان ممكن أنه إذا نسبه إلى الوجود ، حصل له معقول هو الإمكان (٤).
__________________
(١) الوحدة : ضد الكثرة ، لأنها كون الشيء بحيث لا ينقسم ، والكثرة كونه بحيث تنقسم. والوحدة في فلسفة ابن سينا من لوازم الماهيات لا من مقوماتها قال : فقد بان بهذه الوجوه الثلاثة ، التي أحدها : كون الوحدة غير ذاتية للجواهر بل لازمة لها. والثاني : كون الوحدة معاقبة للكثرة في المادة ، والثالث : كون الوحدة مقولة على الأعراض.
(راجع النجاة ص ٣٤).
(٢) الكثرة : ضد الوحدة واللفظان متقابلان ومتضايفان ، لأنك لا تفهم أحدهما دون نسبته إلى الآخر.
والدليل بقولك : إنه الشيء الذي لا ينقسم من الجهة التي قيل له إنه واحد ، وتعرف الكثير بقولك إنه الشيء الذي يقبل الانقسام إلى وحدات مختلفة ، والواحد بالعدد ، إما أن يكون فيه بوجه من الوجوه كثرة بالفعل. فيكون واحدا بالتركيب والاجتماع وإما لا يكون.
(راجع النجاة ٣٦٥).
(٣) في (ب) الإمكان بدلا من (الوجوب).
(٤) إمكان الواجب لذاته ، ووجوب الممكن لذاته أو امتناعه وهو محال ضرورة التنافي بين الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي.