الحالة العلمية
المتصفح لكتب التراجم والأعلام الخاصة بالقرن الثامن الهجري. الرابع عشر الميلادي ، يهوله كثرة العلماء الذين أنتجهم هذا القرن ، وزخر بهم تاريخ الأمة الإسلامية ، في فترة من فترات حياتها.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على نهضة علمية ، وثورة فكرية ، واكبت ما عاشت فيه البلاد من إسفاف اجتماعي ، يتمثل في الفقر المدقع الذي كاد أن يشمل كل أفراد المجتمع ، والأوبئة الفتاكة ، والأمراض المعدية (١) التي حلت بالبلاد نتيجة للدمار والتخريب ، التي أوجدتها الحروب المتلاحقة في هذا العصر ، وكأن المسلمين الذين انهزموا في ميدان الحروب ، وطحنتهم المعارك الضارية ، وانهزموا أيضا في المجال الاجتماعي ، بإجداب أرضهم ، وقلة مواردهم ، قد أرادوا أن يعوضوا ذلك في مجال العلم ، العلم الذي يشمل كل جوانب الحياة ، فنشطت الحركة العلمية نشاطا ملحوظا ، وشمل الإنتاج الفكري جميع المعارف الإنسانية ، والعقدية ، والفقهية ، والشرعية.
فإذا كان المسلمون قد هزمتهم سيوف المغول الإلحادية ، وسهام الصليبية المشركة ، فإن أقلام علماء المسلمين من أمثال ابن تيمية (٢) ، وابن القيم
__________________
(١) راجع حسن المحاضرة للسيوطي ٢ ـ ٢٩٨ ـ ٣٠٦ ، والسلوك للمقريزي ٢ ـ ٧٣.
(٢) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضري ، النميري الحراني الدمشقي الحنبلي ، أبو العباس ، تقي الدين ابن تيمية الإمام شيخ الإسلام ، ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها فقصدها. فتعصب عليه ـ