فهل ترى التفتازاني طابت نفسه ، وهدأت روحه بمقامه بالقرب من البساتين الفواحة بالعطر ، والحدائق المليئة بالأرج؟ غالب الظن أنه لم يكن هادئ البال ، ولا مستريح الفكر ، لأننا لم نجد له إنتاجا يذكر في هذه المدينة ، أم إنه كان هادئ البال ومستريح الفكر ، ونعيم الحياة ، ورغد العيش يغريان بالكسل ، ويدفعان إلى التراخي ..؟ أربع سنوات كوامل قضاها في (هراة) كيف كان يشغل وقته؟ وفي أي الأعمال كان يقدح فكره؟ إننا نفاجأ به يغادر هراة من غير دواع دعته إلى المغادرة والهجرة ، حيث يسرع السير إلى بلدة (حام) ولقد طاب له فيها المقام واستقر بها النوى ، ويفرغ فيها من كتابه (شرح الشمسية) في المنطق عام ٧٥٢ ه ثم يتركها إلى غيرها. فمتى ترك بلدة (حام) وإلى أي البلاد كانت وجهته؟ لا نستطيع أن نحدد تاريخا ثابتا لمفارقته لهذه البلدة. ولكن ابن العماد الحنبلي في كتابه (شذرات الذهب) يحدثنا عن وجوده فجأة عام ٧٥٦ ه. في (غجدوان) وهي من قرى بخارى ، ولقد أتم فيها كتابه (المختصر على التلخيص) ولا يطيب له المقام في بلدة (غجدوان) أكثر من عامين ينتقل بعدها إلى (كلتستان) إحدى مدن (تركستان) وفيها يفرغ من كتابه (التلويح على توضيح غوامض التنقيح) ويبقى في (كلتستان) عاما واحدا ليعود منها مرة أخرى إلى (هراة) عام ٧٥٩ ه حيث يشرع في تأليف كتابه (فتاوى الحنفية) ثم يترك (هراة) إلى جرجانية حيث يطيب مقامه فيها فيستقر حوالي عشر سنوات ، وفي الحقيقة كانت هذه العشر أخصب سني حياته ، حيث كتب (شرح العقائد النسفية) سنة ٧٦٨ ه. وفرغ من (الإرشاد في النحو) سنة ٧٧٤ ه كما ذكره الشوكاني وابن العماد واللكنوي أو سنة ٧٧٨ ه كما ذكره (طاشكبري زاده) ويروي (خواندمير) أنه لما غزا (تيمور) خوارزم ولعل ذلك بين عامي ٧٨٠ ه ٧٨١ ه ١٣٧٩ م طلب ملك محمد السرخي بن ملك معز الدين حسين كرت إلى ابن أخيه بير محمد غياث الدين بير علي. وكان يومئذ من بطانة تيمور أن يستأذن مولاه في إيفاد التفتازاني إلى سرخس ، فأذن تيمور ، ولكنه عرف بعد ذلك فضله في العلم ، فأرسل إليه يستقدمه إلى سمرقند ، وقعد التفتازاني أول الأمر عن إجابة دعوته ، معتذرا بأنه يتهيأ للسفر إلى الحجاز فأرسل إليه يدعوه ثانية ، فانتقل