ثم كانت المدارس وكان إنشاؤها على يد الوزير نظام الملك وزر لألب أرسلان والملك شاه ، ونسبت هذه المدارس إلى منشئها نظام الملك فعرفه باسم «المدارس النظامية» وكانت غاية في الجلال والعظمة. ثم كانت كثيرة العدد شملت الأمصار والبلدان.
هذه صورة تكاد تكون موجزة عن وسائل التعليم والمعرفة في المجتمع الإسلامي ، من بداية القرن الأول الهجري ، إلى نهاية القرن السادس منه ، ولقد عاش سعد الدين التفتازاني في القرن الثامن الهجري ، فهل ترى أن هناك اختلافا جوهريا قد حدث في وسائل التربية والتعليم في ذلك العصر؟
الحقيقة : أننا نشك أن يكون هناك اختلاف جوهري في وسائل التربية والتعليم ، وبناء على هذا فالإمام التفتازاني فتح عينيه على الوسيلة التي يتبعها أبناء المسلمين في تعليمهم وتثقيفهم في ذلك العصر ، ألا وهي الكتاب .. ولكن متى وطأت أقدامه عتبة أول كتاب يدخله ..؟ وما هي المدة التي قضاها فيه ..؟ وفي أي من السنوات استظهر كتاب ربه ..؟ كل هذه الأشياء لا نستطيع الإجابة عليها ، لأن كتب التاريخ لم تتعرض لطفولته في هذا السن المبكر ، ولكننا نتصور ، أنه لم يبق وقتا طويلا في الكتاب ، بل كان يتردد كثيرا على حوانيت الكتب ، وأماكن الوارقين. وهنا يلتفت التاريخ إلى السعد عند ما يدلف إلى أحد المساجد في سمرقند ، ليتابع في شوق ولهفة مع العديد من الطلاب ، الكلمات القوية الجياشة من فم العالم الجليل عضد الدين الإيجي.
لقد انضم التفتازاني إلى حلقة الإيجي العملاقة التي يتصاول فيها ، علم الكلام مع المنطق ، والبيان مع البديع ، وعلم الأصول مع حقائق التنزيل ، ولكن كانت بضاعته من هذه العلوم قليلة محدودة ، بل كان يوصف بين زملائه ببلادة الذهن. وبلاهة العقل ، وتحجر الفؤاد.
يقول صاحب شذرات الذهب : كان سعد الدين في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ، ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ، ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب ، وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في