القائلون باستناد الممكنات إلى الله تعالى ابتداء لا يثبتون للقوى الجسمانية تأثيرا ، ولا يشترطون في ظهور الأفعال المترتبة عليها بخلق الله تعالى وضعا ، ولا يمنعون دوام تلك الأفعال ، كما في نعيم الجنة وعذاب الجحيم.
وأما الفلاسفة فيثبتون لها تأثيرا ، ويشترطون فيه الوضع قطعا منهم بأن النار لا تسخن كل شيء ، والشمس لا يضيء بها كل شيء بل ماله بالنسبة إليهما وضع مخصوص ، بل ويقطعون بأنه يلزم تناهيها بحسب العدة والمدة والشدة ، بأن يكون عدد آثارها وحركاتها متناهيا ، وكذا زمانها في جانبي الازدياد والانتقاص ، بأن لا تزداد إلى غير نهاية ، ولا تنتقص إلى غير نهاية ، وذلك أن (١) المتصف حقيقة بالتناهي ، والا تناهي ، هو الكم المتصل أو المنفصل والقوة التي محلها جسم متناه إنما تتصف بهما باعتبار كمية (٢) المتعلق ، أعني الحركات والآثار الصادرة (٣) عنها ، إما كمية انفصالية وهي عدد الآثار ، وإما كمية اتصالية وهي زمان الآثار وهو (٤) مقدار ممكن فيه فرض التناهي واللاتناهي في جانب الازدياد وهو الاختلاف بحسب المدة ، وفي جانب الانتقاض وهو الاختلاف بحسب الشدة. بيان ذلك ان الشيء الذي يتعلق به شيء ذو مقدار أو عدد ، كالقوى التي يصدر عنها عمل متصل في زمان ، أو أعمال متوالية لها عدد ، فبفرض النهاية واللانهاية فيه يكون بحسب مقدار ذلك العمل ، أو عدد تلك (٥) الأعمال ، والذي بحسب المقدار يكون أما مع فرض وحدة العمل ، واتصال زمانه ، أو مع فرض الاتصال في العمل نفسه لا من حيث يعتبر وحدته أو كثرته ، وبهذه الاعتبارات تصير القوى أصنافا ثلاثة :
الأول : قوى تفرض صدور عمل واحد عنها (٦) في أزمنة مختلفة كرماة تقطع سهامهم مسافة محدودة في أزمنة مختلفة ، ولا محالة يكون التي زمانها أقل أشد
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (أن).
(٢) في (ب) هيئة بدلا من (كمية).
(٣) في (ب) الظاهرة بدلا من (الصادرة).
(٤) في (ب) وهي بدلا من (وهو).
(٥) في (ب) أو عدم بدلا من (عدد).
(٦) في (ب) لفظ منها بدلا من (عنها).