أدلة استحالة التسلسل
(قال : وأما الثاني فلوجوه (١) :
الأول : أنه لو لم تنته سلسلة المعلولات (٢) إلى علة محضة (٣) لكانت الجملة التي هي نفس مجموع الوجودات الممكنة المستند كل منها إلى الآخر موجودا ممكنا (٤) وفاعلها المستقبل ليس نفسها ولا جزءا منها لامتناع عليه الشيء لنفسه ولعلله ، بل خارج واجب ، فوجد بعض أجزاء السلسلة ، ويوجب انقطاعها ، وعدم استناد ذلك الجزء إلى جزء آخر لامتناع اجتماع المؤثرين ، وعلى هذا لا يرد ما يقال :
إن أريد بالعلة التامة. فلا نسلم استحالة كونها نفس الجملة. فإن التامة قد لا تتقدم كما في المركب وإن أريد الفاعل فلا نسلم استحاله كونه جزء الجملة فإن قد لا يكون فاعلا لكل جزء كالنجار للسرير (٥).
ولو سلم (٦) فلم لا يجوز أن تكون السلاسل غير متناهية (٧) ، فتكون العلة الخارجة عن هذه داخلة في تلك من غير انتهاء إلى الواجب.
ولو سلم ، فإنما يفيد ثبوت الواجب لا بطلان التسلسل على أنه منقوض بمجموع الممكنات مع الواجب. لكن يرد أنه إن أريد أن العلة المستقلة للمركب من الأجزاء الممكنة تكون علة لكل جزء بنفسها ، ففي المركب
__________________
(١) أبطل التسلسل بوجوه سبعة.
(٢) بأن تكون مترتبة على أن كل فرد منها له علة بحيث لا تنتهي تلك الأفراد.
(٣) محضة : أي خاصة. من كونها معلولة لأخرى ويلزم من ذلك كون تلك العلة واجبة ، وكل ممكن له علة.
(٤) أي يلزم على ما ذكر أن تكون تلك الجملة موجودا ممكنا.
(٥) فإنه فعل الجملة ولم يفعل كل جزء منه ، وإنما فعل الهيئة التركيبة دون المادة.
(٦) ما ذكر من امتناع كون فاعل الجملة غير فاعل لجميعها بل التزم كون فاعل الجملة لا بد أن يكون فاعلا لكل جزء فلا يكون الفاعل جزءا من تلك الجملة بعينها.
(٧) في نفسها فإنه كما صح فرض أفراد السلسلة الواحدة غير متناهية يصح فرض سلاسل لا تتناهى أفرادها.