وأما البيان بأن المتألف من الأعداد المتناهية لا يكون إلا متناهيا فأضعف).
الوجه السادس : إن ما بين هذا المعلول كالمعلول الأخير وكل من علله البعيدة الواقعة فى السلسلة متناه ضرورة كونه محصورا بين حاصرين ، وهذا يستلزم تناهى السلسلة لأنها حينئذ لا تزيد على المتناهي إلا بواحد بحكم الحدس (١) ، فإنه إذا كان ما بين مبدأ المسافة وكل جزء من الأجزاء الواقعة فيها ، لا يزيد على فرسخ ، فالمسافة لا تزيد على فرسخ لا بجزء(٢) هو (٣) المنتهى ، إن جعلنا المبدأ مندرجا على ما هو المفهوم من قولنا شيء (٤) ما بين خمسين إلى ستين ، وإلا فجزءين ، فيصلح الدليل للنظر ، وإصابة المطلوب وإن لم يصلح للمناظرة ، وإلزام الخصم لأنه قد (٥) لا يذعن للمقدمة الحدسية ، بل ربما يمنعها مستندا بأنه إنما يلزم ذلك لو كان مراتب (٦) ما بين متناهية كما فى المسافة ، وإما على تقدير لا تناهيها كما فى السلسلة ، فلا ، إذ لا ينتهى إلى ما بين لا يوجد ما بين آخر (٧) أزيد منه ، وقد تبين الاستلزام بأن المتألف من الأعداد المتناهية لا يكون إلا متناهيا وهو فى غاية الضعف ، لأنه إعادة للدعوى ، بل ما هو أبعد منها وأخفى ، لأن التألف من نفس الآحاد أقرب إلى التناهى من التألف من الأعداد التى كل منها متناهية الآحاد ، فالمنع عليه أظهر. وإنما يتم لو كانت عدة الأعداد المتناهية متناهية وهو غير لازم ، ومن هاهنا يذهب الوهم إلى أن (٨) هذا استدلال بثبوت الحكم ، أعني التناهي لكل على ثبوته للكل وهو باطل
__________________
(١) الحدس : الظن والتخمين والتوهم في معاني الكلام ، والأمور والنظر الخفي ، والحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير. قال ابن سينا : الحدس حركة إلى إصابة الحد الأكبر إذا كان أصيب الأوسط وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم إلى مجهول (راجع النجاة ص ١٣٧).
(٢) في (ب) إلا (بجوهر).
(٣) في (أ) بزيادة لفظ (هو).
(٤) في (أ) سنى وهو تحريف.
(٥) سقط من (ب) لفظ (قد).
(٦) في (ب) مرات بدلا من (مراتب).
(٧) في (ب) أجزاء تزيد منه.
(٨) في (أ) بزيادة حرف (أن).