وبهذا الاعتبار أثبتوا للقوى الطبيعية ، والأسباب الاتفاقية غايات.
وقالوا : ما يتأدى إليه السبب إن كان تأديه دائما أو أكثريا (١) فهى غاية ذاتية وإلا فاتفاقية ، كمن حفر بئرا فوجد كنزا ، وتحقيقه : أن العلة قد تتوقف عليتها على أمور خارجة عن ذاتها غير دائمة ، ولا أكثرية معها. فيقال لها بدون تلك الشرائط : علة اتفاقية. فإن اتفق حصول تلك الشرائط معها ترتب المعلول عليها لا محالة ، فيسمى ذلك المعلول باعتبار النسبة إلى العلة وحدها غاية اتفاقية. وإن كان باعتبار النسبة إليها مع جميع الشرائط غاية ذاتية.
(قال : تنبيه : لما كان الموجد عندنا هو الله تعالى وحده كان معنى العلة من الممكنات ما جرت العادة بخلق الشيء عقيبه).
أكثر الأحكام السابقة (٢) للعلة الفاعلية لمعنى (٣) المؤثر كالانقسام إلى البسيطة والمركبة وإلى الكلية والجزئية وبكونها معلولا لأمر آخر ، ولكونها متناهية الآثار إلى غير ذلك إنما هي (٤) على رأى من يجعل بعض الممكنات مؤثرا فى البعض كالفلاسفة وكثير من المليين (٥).
وأما على رأى القائلين بإسناد الكل إلى الله تعالى ابتداء فمعنى علية الممكن للشىء جرى العادة بإذن الله تعالى يخلق ذلك الشيء عقب ذلك الممكن بحيث يتبادر إلى الذهن أن وجوده موقوف على وجوده بحيث يصلح أن يقال. وجد فوجد من غير أن يكون له تأثير فيه ، فعلة الاحتراق تكون هى النار لا الماء ، وإن وجد عقيب مماستها ، وعلة أكل زيد لا يكون شرب عمرو ، وإن وجد عقيبة (٦).
__________________
(١) في (أ) أو في كثير من الحالات بدلا من (أكثريا).
(٢) في (ب) التي ذكرت سابقا بدلا من (السابقة).
(٣) سقط من (أ) كلمة (لمعنى).
(٤) سقط من (أ) لفظ (هي).
(٥) المليين : الذين يديون بملة. وراجع كلمة مركزة في كتاب الفلسفة الحديثة للمرحوم الدكتور محمد بدران عن الملة ، والنحلة ، والدين.
(٦) في (ب) مؤخرا عنه بدلا من (عقيبة).