والمتحيز (١) بالذات ليس أولى من قيام الكل بذلك الجوهر.
الثاني : أنه (٢) لو قام عرض بعرض فلا بد في الآخرة من جوهر ينتهي إليه سلسلة الأعراض ضرورة امتناع قيام العرض بنفسه ، وحينئذ فقيام بعض الأعراض بالبعض ليس أولى من قيام الكل بذلك الجوهر ، بل هذا أولى ، لأن القائم بنفسه أحق بأن يكون محلا مقوما للحال ، ولأن الكل في حيز ذلك الجوهر تبعا له ، وهو معنى القيام واعترض على الوجهين بأنا لا نسلم أن معنى قيام الشيء بالشيء التبعية في التحيز (٣) ، بل معناه اختصاص الشيء بالشيء بحيث يصير نعتا له وهو منعوتا به ، كاختصاص البياض بالجسم لا الجسم بالمكان ، والقيام بهذا المعنى لا يختص بالمتحيز كما في صفات الله تعالى عند المتكلمين وصفات الجواهر المجردة عند الفلاسفة فضلا عن أن يختص بالمتحيز لا بالتبعية ثم انتهاء قيام العرض إلى الجوهر مما لا نزاع فيه ، إلا أنه لا يوجب قيام الكل به لجواز أن يكون الاختصاص الناعت فيما بين بعض (٤) الأعراض بأن يكون عرضا نعتا لعرض ، لا للجوهر الذي إليه الانتهاء كالسرعة للحركة ، والملاسة للسطح والاستقامة للخط ، فإن المنعوت حقيقة بهذه الأعراض هي تلك لا الجسم ، فلهذا جوزت الفلاسفة قيام العرض
__________________
(١) المتحيز : هو الحاصل في الحيز ، وبعبارة أخرى القابل بالذات أو بالتبعية للإشارة الحسية فعند المتكلمين لا جوهر إلا المتحيز بالذات ، أي القابل للإشارة بالذات ، وأما العرض فيتحيز بالتبع ، وعند الحكماء قد يكون الجوهر متحيزا بالذات وقد لا يكون متحيزا أصلا كالجواهر المجردة.
وقال صاحب المحاكمات (قطب الدين محمد بن محمد الرازي المعروف بالتحتاني ت ٧٦٦ ه) المتحيز ثلاثة أقسام : إما أن يكون متحيزا بالاستقلال كالصورة والجسم ، وإما أن يكون متحيزا بالتبعية إما على سبيل حلوله في الغير كالأعراض ، أو على سبيل حلول الغير فيه كالهيولى ، فإنه متحيز بشرط حلول الصورة فيه.
(راجع كشاف اصطلاحات الفنون ج ٢ ص ٤٢ وشرح المواقف ١% ٤٣٩ ـ ٤٤٠).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (إنه).
(٣) في (ب) الحيز بدلا من (التحيز).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (بعض).