قال : وأثبت تمسك الفلاسفة في وجود الزمان بوجوه :
الأول : أنا نفرض حركة في مسافة معينة بقدر من السرعة وحركة أخرى في تلك المسافة مثل الأولى في السرعة ، فإن توافقتا مع ذلك في الأخذ والترك بأن ابتدأتا معا ووقفتا معا فبالضرورة يقطعان المسافة ، معا ، وإن توافقتا في الترك دون الأخذ بأن كان ابتداء الثانية متأخرا عن ابتداء الأولى فبالضرورة تقطع الثانية أقل مما قطعته الأولى وكذا إذ توافقتا في الأخذ والترك ، وكانت الثانية أبطأ فإنها تقطع أقل ، فبين أخذ السريعة الأولى وتركها إمكان قطع مسافة معينة بسرعة معينة ، وإمكان قطع مسافة أقل منها ببطء معين ، وبين أخذ السريعة الثانية وتركها إمكان أقل من الإمكان بتلك السرعة المعينة فهناك أمر مقداري أي قابل للزيادة (١) والنقصان بالذات تقع فيه الحركة ويتفاوت بتفاوته ضرورة أن قبول التفاوت ينتهي إلى ما يكون بالذات وهو الذي عبرنا عنه بالإمكان ، وسميناه بالزمان ، فيكون موجودا وليس هو نفس السرعة ، ولا امتداد المسافة ، ولا امتداد المتحرك ، لأنه قد يختلفان كالحركة في تمام المسافة تساوي نصف تلك الحركة في السرعة مع الاختلاف في المقدار ، وكالحركتين (٢) في المقدار ، وكالحركتين المتساويتين في مقدار المسافة مع اختلاف مقدار هذا الإمكان لاختلافهما بالسرعة والبطء ، أو على العكس بأن تقطع السريعة في ساعة فرسخا ، والبطيئة نصف فرسخ (٣) ، وحركة الجسم الصغير والكبير مسافة معينة في ساعة أو حركة الجسمين المتساويين في المقدار بقطع المسافة أحدهما في ساعة ، والأخرى في نصف ساعة.
فإن قيل : قد بينتم إثبات وجود الزمان على مقدمات يبني الحكم فيها على وجود الزمان (٤) كالحكم بأن هذه الحركة مع تلك أو متأخرة عنها ، أي بالزمان ،
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (أي).
(٢) في (ب) بزيادة حرف الجر (في).
(٣) الفرسخ واحد الفراسخ فارسي معرب.
(٤) سقط من (ب) من أول على مقدمات إلى (وجود الزمان).