من حال الجسم في أن له أبعادا ثلاثة متقاطعة على زوايا قوائم ، ولكل بعد طرفان ، وأما بحسب الحقيقة فالجهات متكثرة جدا ، غير محصورة بحسب ما للجسم من الأجزاء عند من يقول بالجوهر الفرد ، أو غير متناهية أصلا ، بحسب ما يفرض فيه من الانقسامات عند من لا يقول به.
وبالجملة فالحقيقي من أنواع الاعتمادات الذي لا يلحقه التبدل أصلا اثنان هما : الثقل ، والخفة ، أعني الميل الهابط والصاعد ، وكل منهما مطلق ومضاف ، فالثقل المطلق كيفية تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركز ثقله ، أعني النقطة التي تتعادل ما على جوانبها على مركز العالم كما في الأرض ، والمضاف كيفية تقتضي حركة الجسم في أكثر المسافة الممتدة بين المركز والمحيط حركة إلى المركز ، لكنه لا يبلغ المركز كما للماء ، فإنه ثقيل بالإضافة إلى النار ، والهواء دون الأرض ، والخفة المطلقة كيفية تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق سطحه على سطح مقعر فلك القمر كما للنار ، والمضاف كيفية تقتضي حركة الجسم في أكثر المسافة الممتدة بين المركز والمحيط ، وحركة إلى المحيط ، لكنه لا يبلغ المحيط كما للهواء.
(قال : وليستا راجعتين إلى الرطوبة واليبوسة ، أو إلى كثرة أجزاء الجسم وقلتها على ما قيل ، لأن الزق يسع من الزئبق أضعاف ما يسع من الماء ، مع زيادته في الرطوبة ، وتساويهما في الأجزاء ، وإلا لكان في الماء فرج خلاء ، نسبتها إلى الأجزاء نسبة وزن الزئبق إلى وزن الماء).
قال : وليسا راجعين ما ذكرنا من كون الثقل والخفة كيفيتين زائدتين على الجسم ، غير متعلقتين بالرطوبة واليبوسة ، حيث كان الهواء خفيفا مع رطوبته ، والأرض ثقيلة مع يبوستها ، هو رأي الجمهور ، وذهب الجبائي ، إلى أن سبب الثقل الرطوبة ، وسبب الخفة اليبوسة ، لما يظهر بالنار من رطوبة الثقيل كالذهب ، وترمد الخفيف كالخشب ، ورد بأن غايته ظهور الرطوبة واليبوسة في بعض ما هو ثقيل ، وخفيف من غير دلالة على تحققها قبل ذلك ، وسببيتهما وعموم الحكم.