وثانيهما : انعكاس الحمرة والخضرة ، ونحو ذلك من الألوان فإنه لو كان اختلاف الألوان لاختلاط الشفاف بغيره لوجب أن لا ينعكس من الأحمر والأخضر إلا البياض ، لأن السواد لا ينعكس بحكم التجربة. ودلالة هذين الوجهين على أن سبب اختلاف الألوان لا يجب أن يكون هو التركب من السواد والبياض ، أظهر من دلالته ، على أن سبب البياض لا يجب أن يكون هو مخالطة الهواء للأجزاء الشفافة مع أن في الملازمتين نظرا ، لجواز أن يقع تركب السواد والبياض على أنحاء مختلفة ، وأن ينعكس السواد عند الاختلاط والامتزاج ، وإن لم ينعكس عند الانفراد ، وقد اقتصر بعضهم على نفي البياض ، وأثبت السواد تمسكا بأن البياض ينسلخ ويقبل محله الألوان بخلاف السواد ، ورد بعد ثبوت الأمرين بأنه : يجوز أن يكون الحقيقي مفارقا والتخيلي لازما ، لزوال سبب الأول ، ولزوم سبب التخيلي ، لا يقال محل (١) البياض يقبل محله جميع الألوان وكل ما يقبل الشيء فهو عار عنه ، ضرورة تنافي القبول والفعل ، لأنا نجيب بمنع الصغرى فإنه إنما يقبل ما سوى البياض الذي فيه ، فلا يلزم إلا عراؤه عنه ، وإن أريد بالقبول معنى الإمكان بحيث يجامع الفعل منعنا الكبرى وهو ظاهر.
وقد يقال : لو كان القابل للشيء واجب العراء عنه لكان الفعل (٢) ممتنع الاتصاف به ، وهو باطل ، وليس بشيء لأن القضية مشروطة ، فلا يلزم إلا امتناع الاتصاف ما دام قابلا وهو حق.
السواد والبياض أصل الألوان
(قال : وقيل : الأصل هو البياض والسواد ، وقيل : والحمرة والصفرة والخضرة أيضا ، والبواقي بالتركيب تعويلا (٣) على مشاهدة ذلك في بعض الصور ، ولا يخفى أنها لا تفيد الحكم الكلي).
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (محل).
(٢) فى (ب) بزيادة لفظ (الفعل)
(٣) في (ج) بقرينة بدلا من (تعويلا).