الحائل المانع من الإبصار ، بين أن يكون محيطا بالرائي والمرئي ، أو متوسطا بينهما ، وربما يمنع ذلك بأنه ليس بمانع بل إحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية ، وهو منتف في الغار ، لكنه لا يتأتى على قولهم الظلمة كيفية مانعة من الإبصار تمسك القائلون بكونها وجودية بقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فإن المجعول لا يكون إلا موجودا.
وأجيب بالمنع ، فإن الجاعل كما يجعل الوجود يجعل العدم الخاص ، كالعمى فإنما المنافي للمجعولية هو العدم الصرف.
هل الضوء نفس الهواء
أو ما يخالطه ...؟
(قال : ولهم تردد في أن المضيء فيما يشاهد من الهواء هو الهواء الصرف ، أو ما يخالطه من الأجزاء).
لا خلاف بين المحققين من الحكماء في إضاءة (١) الهواء ، إنما الخلاف في أن محل الضوء هو نفس الهواء الصرف ، أو ما يخالطه من الأجزاء البخارية أو الدخانية ، أو نحو ذلك.
احتج الأولون بما يشاهد من الهواء المضيء في أفق المشرق وقت الصباح ، وبأنه لو لم يكن مضيئا لوجب أن يرى بالنهار الكواكب التي في الجهة المخالفة للشمس ، إذ لا مانع سوى انفعال الحس عن ضوء أقوى ، وضعفهما ظاهر ، لأن الكلام في الهواء الصرف والأقرب ما ذكره الإمام : وهو أن إضاءة الهواء لو كان بسبب مخالطة الأجزاء لكان الهواء كلما كان أصفى كان أقل ضوءا ، وكلما كان أكدر وأغلظ فأكثر ، والأمر بالعكس ، وفيه أيضا ضعف لجواز أن يكون الموجب مخالطة الأجزاء إلى حد مخصوص ، إذا تجاوزته أخذ الضوء في النقصان ، وحاصله أنه يجوز أن يضره الإفراط كما
__________________
(١) فى (أ) بزيادة حرف الجر (في).