جهته ومبدأ وروده فإن كان بقي منه شيء متأديا أدركناه إلى حيث ينقطع ويفنى ، وحينئذ يدرك الوارد ومورده وما بقى منه موجود أو جهته ، ويعد مورده وقربه وما بقي من قوة أمواجه وضعفها ، ولذلك يدرك البعيد ضعيفا لأنه يضعف تموجه حتى لو لم يبق في المسافة أثر ينتهي بنا إلى المبدأ لم يعلم من قدر البعد إلا بقدر ما بقي.
رأي الفلاسفة في إدراك وصول الصوت بالهواء
(قال : ويدل على كون إدراكه بوصول الهواء الحامل له إلى الصماخ أنه يميل مع الرياح ، وأن من تكلم في طرف أنبوبة طرفها الآخر على أذن واحد من القوم ينفرد هو بسماعه وأنه متأخر بحسب الزمان عن مشاهدة سببه ، كضرب الفأس من بعيد وأمثال هذه أمارات لا يستبعد إفادتها اليقين الحدسي ، وإن لم تقم حجة على الغير إلا أنه لو استبعد قيام أمثال تلك الكيفية بجميع أجزاء الهواء وبقاؤها على هيئاتها مع هبوب الرياح والنفوذ في المنافذ من صلب الأجسام لم يكن بعيدا ، وكذا رجوعه عن مصادمة الجسم الأملس على ما زعموا في الصدى سواء جعل الواصل نفس الهواء الراجع ، أو آخر متكيفا بكيفية على ما هو الظاهر).
رأى الفلاسفة أنه إذا وجد سبب الصوت في موضع تكيف هواء ذلك الموضع بذلك الصوت ، ثم المجاور فالمجاور في جميع الجهات إلى حد ما بحسب شدة الصوت وضعفه ولا يسمعه إلا المسامع التي تقع في تلك المسافة ، ويصل إليها ذلك الهواء ، وتمسكوا بوجوه :
الأول : أن الصوت يميل مع هبوب الريح ولا يسمعه من كان الهبوب من جهته لعدم وصول الهواء إلى صماخه ، فلو لم يكن الهواء (١) حاملا له ولم يتوقف السماع على وصول ذلك الهواء لما كان كذلك.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (الهواء).