الخيال لما أن الوحدة مبدأ الكثرة ، والعقل إنما يعرف المبدأ قبل ذي المبدأ والكثرة ترتسم صورها في الخيال ، فينتزع العقل منها أمرا واحدا ، فيكون تفسير الوحدة بالكثرة عند الخيال، وتفسير الكثرة بالوحدة عند العقل تفسيرا بالأعراف لا بالمارى في المعرفة والجهالة.
الوحدة غير مرادفة للوجود ولا الماهية
(قال : والقطع بجواز الانفكاك في التعقل ، وبأن الجمع والتفريق ليس بإعدام يدل على مغايرتهما للماهية والوجود (١) وإن كانت الوحدة تساوقه (٢)).
لما كانت الوحدة مساوقة للوجود بمعنى أن كل ما له وحدة فله وجود ما (٣) ، وكل ما له وجود فله وحدة بوجه ما ، توهم بعضهم أن الوحدة هي الوجود وهو باطل ، لأن الكثير من حيث هو كثير ، موجود وليس بواحد ، فحاول التنبيه على أن كلا من الوحدة والكثرة مغاير لكل من الوجود والماهية وذلك بوجهين.
أحدهما : لنا (٤) أن نتعقل ماهية الشيء ووجوده من غير أن نتعقل وحدته أو كثرته ، بل مع التردد فيه كما نقطع بوجود الصانع ، ثم نثبت بالبرهان وحدته ، ونقطع بوجود الفلك وماهيته ، ثم نثبت كثرته.
وثانيهما : أنا إذا جمعنا مياه أوان كثيرة في إناء واحد ، حتى صار ماء واحدا ، أو فرقنا ماء إناء واحد في أوان كثيرة ، حتى صارت مياها كثيرة ، فقد زالت الوحدة والكثرة ، مع أن الوجود والماهية بحالهما (٥) من غير زوال وتبدل
__________________
(١) يعني أن الوحدة غير مرادفة للوجود ولا للماهية لأنا نقطع بأن تعقل الموجود والماهية يجوز أن ينفك من تعقل الوحدة ، بل نقطع بوقوع ذلك الانفكاك لأنا نفهم ونتعقل مفهوما وندرك وجود مصدوقه.
(٢) إلى أن الوحدة تلازم الوجود وتساوقه.
(٣) سقط من (ب) لفظ (ما).
(٤) في (ب) أنا بإسقاط (لنا أن).
(٥) في (ب) مجالهما بدلا من (بحالهما).