المبحث الأول
حقيقة الإدراك
(قال : ومنها الإدراك (١) ، وبيانه في مباحث :
المبحث الأول : لا خفاء أنا إذا أدركنا شيئا كان له تميز وظهور عند العقل ، وليس ذلك بوجوده العيني إذ كثيرا ما يدرك ولا وجود أو يوجد ولا إدراك ، بل يوجده العقلى ، وهو المعنى بالصورة ، فحقيقة إدراك الشيء حضوره عند العقل).
أي من الكيفيات النفسانية الإدراك ، وقد سبق نبذ من الكلام فيه ، والذي استقر عليه رأي المحققين من الفلاسفة أن حقيقة إدراك الشيء حضوره عند العقل ، إما بنفسه وإما بصورته المنتزعة ، أو الحاصلة ابتداء المرتسمة في العقل الذي هو المدرك أو آلته التي بها الإدراك ، وهذا معنى ما قال في الإشارات إدراك الشيء هو أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك ، على أن المراد بتمثل الحقيقة حضورها بنفسها أو بمثالها سواء كان
__________________
(١) الإدراك في اللغة هو اللحاق والوصول ، يقال : أدرك الشيء بلغ وقته وانتهى ، وأدرك الثمر نضج ، وأدرك الولد بلغ وأدرك الشيء لحقه ، وأدرك المسألة علمها ، وأدرك الشيء ببصره رآه ، فمن رأى شيئا ورأى جوانبه ونهاياته قيل : إنه أدركه ، ويصح : رأيت الحبيب ، وما أدركه بصري ، فيكوى الإدراك بهذا المعنى أخص من الرؤية.
والإدراك عند معظم الفلاسفة إما أن يكون إدراك الجزئي أو إدراك الكلي وإدراك الجزئي قد يكون بحيث يتوقف على وجوده في الخارج ، وهو الحس ، أو لا يتوقف وهو الخيال ، وإدراك الجزئي على وجه كلي هو إدراك كلية الذي ينحصر في ذلك الجزئي.
(راجع لباب الاشارات للرازي ص ٧٤).