أنيتها (١) وماهيتها إلا بعد النظر والتأمل ، وإنما الكلام في ماهية النفس ، ولا يجوز أن يكون هذا ذهولا (٢) عن العلم بالعلم ، لأنه أيضا مما يلزم دوامه سيما وهم يقولون : إن علمنا بذاتنا نفس ذاتنا.
وثانيها : أن حصول الشيء للشيء وحضوره عنده يقتضي تغاير الشيئين ضرورة فيمتنع علم الشيء بنفسه.
وثالثها : أن النفس إذا كانت عالمة بذاتها وصفاتها كانت عالمة بعلمها بذلك ، وهلم(٣) جرا لا إلى نهاية ، فيلزم علوم غير متناهية بالفعل ، وأجيب عن الأول بمنع مقدمات بطلان اللازم وهو مكابرة ، وعن الأخيرين بأن التغاير الاعتباري كاف والاعتبارات العقلية تنقطع بانقطاع الاعتبار.
وحاصله أن ليس هناك إلا شيء واحد هو ذلك المجرد المدرك وهو ليس بغائب عن نفسه ، فمن حيث يعتبر شاهدا يكون عالما. ومن حيث يعتبر مشهودا يكون معلوما ، ومن حيث يعتبر مشهودا يكون علما ، ومرجعه إلى أن وجود الشيء عين حصوله ، وحضوره لا يزيد عليه بحسب الخارج.
المدرك لا يتصف بما يدركه لتغاير الصورة والهوية
(قال : ولما بين صورة الشيء وهويته من التغاير لم يلزم اتصاف المدرك بما يدركه من السواد والحرارة والاستدارة ، ونحو ذلك على أن حصول الصورة للنفس ليس كحصول العرض للجوهر ولهذا لا يلزم من إدراك المعاني العقلية أيضا كالإيمان والكفر والجود والبخل اتصاف النفس بها ، وإنما الكلام في عكسه فكيف في مثل حصول السواد والبياض للجسم ، ثم لا يقدح في ذلك أن المبصر هو هذا السواد لا شبحه ، والمتعقل هو الإنسان لا
__________________
(١) في (ب) أنفسها.
(٢) في (ب) وهو وهذا تحريف.
(٣) في (ب) وهم أجزاء وهو تحريف.