الأولين والتعقل : مجرد عن الجميع ، بمعنى أن الصورة تكون مجردة عن العوارض المادية الخارجية ، وإن لم يكن بد من الاكتناف بالعوارض الذهنية مثل تشخصها من حيث حلولها في النفس الجزئية ، ومثل عرضيتها وحلولها في تلك النفس ، ومقارنتها لصفات تلك النفس ، وفي كون هذه من العوارض الذهنية ، كلام عرفته في بحث الماهية.
(قال : وعند الشيخ الأشعري (١) الإحساس بالشيء علم به ، فإن إرادته لا تخالف سائر العلوم إلا باعتبار المتعلق ، والطريق فمردود بما نجد من الفرق بين حالتي العلم التام بالشيء والاحساس به ، وإن أراد أنها أنواع من العلم فلفظي مبنى على إطلاق العلم على مطلق الإدراك ، وهو إنما يقال لما عدا الاحساس ، وقد يخص بالأخير ، أو بإدراك المركب ، ويسمى إدراك الجزئي ، أو البسيط معرفة ، أو بالتصديق الجازم المطابق الثابت ، ويسمى الخالي عن الجزم ظنا ، وعن المطابقة جهلا مركبا ، وعن الثبات اعتقادا وقد لا يعتبر فيه المطابقة أيضا ، ولكون الشك ترددا في الحكم والوهم ملاحظة للطرف المرجوح كان عدهما من التصديق خطأ وإن أريد بالشك الحكم بتساوي الطرفين فهو أحد الأقسام السابقة).
فالإبصار علم بالمبصرات ، والسماع علم بالمسموعات ، وهكذا البواقى ورده الجمهور بأنا نجد فرقا ضروريا بين العلم التام بهذا اللون ، وبين إبصاره ، وهكذا بين العلم بهذا الصوت وسماعه ، وبين العلم بهذه الرائحة وشمها.
إلى غير ذلك.
وأجيب بأنا لا نسلم ان ما يتعلق به الإحساس يمكن تعلق العلم به بطريق
__________________
(١) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق ، أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة ، كان من الأئمة المتعلمين المجتهدين. ولد في البصرة عام ٢٦٠ ه وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. توفي ببغداد عام ٣٢٤ ه. من كتبه :
مقالات الإسلاميين والإبانة ، ورسالة في الإيمان ، ومقالات الملحدين ، والرد على ابن الراوندي وغير ذلك.
(راجع طبقات الشافعية ٢ : ٢٤٥ والمقريزي ٢ : ٣٥٩ ، وابن خلكان ١ : ٣٢٦).