الطريان ، والشك عدم ملكة للعلم التصديقي ، فيكون جهلا بسيطا بالنظر إليه ، وإن كان علما من حيث التصور.
وأما الجهل المركب أعني الاعتقاد الجازم الغير المطابق ويسمى مركبا لأنه جهل بما في الواقع مع الجهل بأنه جاهل به ، فمضاد للعلم لصدق حد الضدين عليهما لكونهما معنيين يستحيل اجتماعهما لذاتهما ، ولكونهما متقابلين وجوديين ليس تعقل أحدهما بالقياس إلى تعقل الآخر.
وقالت المعتزلة : (١) هما متماثلان ، لأن الحقيقة واحدة والاختلاف إنما هو بالعارض ، أما أو لا فلأنهما لا يختلفان إلا بمطابقة الواقع ولا مطابقته ، وذلك خارج لأن النسبة لا تدخل في حقيقة المنتسبين ، والاختلاف بالخارج لا يوجب الاختلاف بالذات. وأما ثانيا : فلأن من اعتقد أن زيدا في الدار طول النهار وقد كان فيها إلى قبل (٢) الظهر ، ثم خرج كان له اعتقاد واحد مستمر لا اختلاف في ذاته ، مع أنه كان علما ثم صار جهلا.
والجواب أن المطابقة (٣) واللامطابقة أخص صفات النفس للعلم والجهل ، فالاختلاف فيه يستلزم الاختلاف في الذات وظاهره معارضة ، ويمكن تنزيله على المنع ، أي لا نسلم (أن الاختلاف بالعارض لا يوجب الاختلاف بالذات ، وإنما يكون كذلك لو لم يكن لازما ، ولا نسلم) (٤). أن الذات واحدة بل الاعتقادات على التجدد ، فما دام زيد في الدار فالمتجدد علم ، وحين خرج فجهل.
__________________
(١) راجع التعريف بهذه الفرقة وأشهر رجالها في كلمة موجزة في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٢) في (ب) بزيادة لفظ (قبل).
(٣) أطبق القوم على كذا اجتمعوا عليه متوافقين ، وأطبقت عليه الحمى استمرت به الليل والنهار ، وأطبق الليل أظلم ، وطابق الفرس في مشيه أو جريه مطابقة وطباقا وضع رجليه موضع يديه ، والمطابقة : الموافقة والمعاونة ، وطابقه على الأمر : مالأه وساعده ، وطابق بين الشيئين جعلهما على حذو واحد.
(المعجم الوسيط ج ٢ ص ٥٥٠).
(٤) ما بين القوسين سقط من (ب).