وبالجملة فلما لم تحصل اللذة إلا عند تبدل الحالة الغير الطبيعية ظنوا أنها نفسه ، ولا خفاء في إمكان معارضة هذا الكلام بالمثل ، ودفعها بما سبق من الوجهين.
(قال : ثم كل من اللذة والألم ينقسم إلى الحسي والعقلي حسب الإدراك ، والعقلي أقوى لأن المعقولات أكثر وإدراك العقلي أكمل (١) وكلاهما من الكيفيات النفسانية لأن المحسوس في الحسي هو ما يلتذ به ، أو يتألم لا نفس اللذة أو الألم).
فإنه ينقسم إليهما فينحصر فيهما عند أرباب البحث ، أما الحسي فظاهر كتكيف العضو الذائق بالحلاوة والقوة الغضبية بتصور غلبة ما ، والوهم بصورة شيء يرجوه إلى غير ذلك.
وأما العقلي فلأن للجوهر العاقل أيضا كمالا وهو أن يتمثل فيه ما يتعقله (٢) من الواجب تعالى بقدر الاستطاعة ، ثم ما يتعقله من صور معلولاته المترتبة أعني الوجود كله تمثلا مطابقا خاليا عن شوائب الظنون والأوهام بحيث يصير عقلا مستفادا على الإطلاق ولا شك أن هذا الكمال خير بالقياس إليه وأنه مدرك لهذا الكمال ، ولحصول هذا الكمال له فإذن هو ملتذ بذلك وهذه هي اللذة العقلية ، وأما الألم فهو أن يحصل له ضد هذا الكمال ، ويدرك حصوله من حيث هو ضد ثم إذا قايسنا بين اللذتين فالعقلية أكثر كمية ، وأقوى كيفية أما الأول : فلأن عدد تفاصيل المعقولات أكثر بل يكاد لا يتناهى.
وأما الثاني : فلأن العقل يصل إلى كنه المعقول ، والحس لا يدرك إلا ما يتعلق بظواهر الأجسام ، فتكون الكمالات العقلية أكثر وإدراكاتها أتم ، فكذا
__________________
(راجع معيار العلم ص ٢٠٩ : ٢١٠).
وقال الجرجاني : الانفعال هو الهيئة الحاصلة للمتأثر من غيره بسبب التأثير أولا ، كالهيئة الحاصلة للمنقطع ما دام منقطعا.
(راجع التعريفات).
(١) في (أ) و (ب) لكل وهو تحريف.
(٢) في (ب) ما يتعلق بدلا من (ما يتعقله).