كبريت يشتعل بقدر (١) يسير من النار ، فلو كان ذلك لظهور الأجزاء النارية الكامنة لكانت لكثرتها أولى بأن يشعلها ويحس بها ، أو الواردة لكانت بقدر الوارد ، وأن حرارة الماء الشديد السخونة ، لو كانت بانقلاب بعض أجزائه نارا من غير استحالة لفارقته تلك النارية صاعدة بطبعها ، أو انطفأت ببرد الماء ورطوبته ، فلم يحس (٢) بها ، على أنك ستعرف في بحث الكون (٣) والفساد أن الماء لا يصير نارا إلا بعد صيرورته هواء وحينئذ يتصعد بطريق البخار.
(قال : (والحق)
أنهم لما وجدوا الجسم انتقل من كم أو كيف إلى آخر لا دفعة توهموا حركة ، ولا حركة، في نفس الأمر لأن ما بين الطرفين من الكميات والكيفيات متمايزة بالفعل لا كاجزاء المسافة والانتقال إلى كل دفعي كالأرض تصير ماء ثم نارا ، وتحقيقه أن للوسط (٤) إن كان واحدا فلا حركة وإن كان كثيرا كان متناهيا ضرورة كونه بين حاصرين ، فتكون الحركة من أجزاء لا تنقسم وهو محال لاستلزامه وجود الجوهر الفرد وكون البطء لتخلل السكنات بخلاف الحركة الأينية. فإن الوسط فيها واحد بالفعل يقبل بحسب الغرض انقسامات غير متناهية).
قد سبقت إشارة إلى أن الحركة الوضعية (٥) عائدة إلى الحركة الأينية (٦)
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (قدر).
(٢) في (ب) سقط لفظ (يحس).
(٣) الكون بالمعنى العام : هو الوجود بعد العدم ، وهو تغير دفعي ، لأنه وسط بين العدم والوجود كحدوث النور بعد الظلام دفعة. والكون بالمعنى الخاص : هو حصول الصورة في المادة بعد أن لم تكن حاصلة فيها ، وهو عند أرسطو تحول جوهر أدنى إلى جوهر أعلى ويقابله الفساد ، لان الفساد زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة.
والكون ، والثبوت والوجود ، والتحقق عند الاشاعرة ألفاظ مترادفة أما عند المعتزلة فالثبوت أعم من الوجود ، والثبوت والتحقق عندهم مترادفان وكذا الكون والوجود.
(٤) في (ب) الواسطة.
(٥) وهي الحركة المستديرة التي ينتقل بها الجسم من وضع إلى آخر ، كما في حركة حجر الرحى ، أو حركة الكرة في مكانها.
(٦) وهي حركة الجسم من مكان إلى آخر وتسمى نقلة ، والمتكلمون إذا أطلقوا الحركة أرادوا بها الحركة الأينية فقط.