فبنوا على ذلك ، أنه إذا اتحد المبدأ والمنتهى ، وما فيه الحركة لتحدث الحركة بالنوع ، وإن اختلف المتحرك أو المحرك أو الزمان ، لأن تنوع المعروضات أو الأسباب لا يوجب تنوع العوارض والمسببات لجواز قيام نوع منها كالحرارة بموضوعين مختلفي الماهية كالإنسان والفرس، وحصوله لمؤثرين مختلفين كالنار والشمس ، وبهذا يظهر أن لا أثر للاختلاف بالقسر والطبع والإرادة. فالحركة الصاعدة للنار طبعا ، وللحجر قسرا ، وللطير إرادة ، لا تختلف نوعا. وأما الأزمنة فلا يتصور فيها اختلاف الماهية ولو فرض فلا خفاء في جواز إحاطتها بحقيقة واحدة، والتمسك بأنها عارضة للحركة ، واختلاف العارض لا يوجب اختلاف المعروض ضعيف لما سبق من أن هذا التعلق بالزمان غير تعلق الحركة التي جعل الزمان عارضا لها (١) ، فإنها إنما هي حركة الفلك الأعظم ، وإذا اختلفت المبدأ والمنتهى اختلفت الحركة ، وإن كان ما فيه واحدا أما في الأين فكالحركة الصاعدة مع الهابطة وأما في الكيف فكالحركة من البياض إلى السواد على طريق التصفر ثم التحمر ثم التسود مع الحركة من السواد إلى البياض على طريق التحمر ثم التصفر ثم التبيض. وكذا إذا اختلف ما فيه ، وإن اتحد المبدأ والمنتهى كالحركة من نقطة إلى نقطة على الاستقامة معها على الانحناء وكالحركة من البياض إلى السواد على طريق الأخذ في الصفرة ثم الحمرة ثم السواد معها على طريق الأخذ في الخضرة ثم النيلية ثم السواد ، وما ذكر في المواقف من أنه لا بد من وحدة ما فيه ، وما منه وما إليه ، إذ لو اختلف ما فيه اختلف النوع كالتسخن والتسود ليس على ما ينبغي لأن هذا إنما يصح للتمثيل (٢) دون التعليل (٣) ، وكأنه أراد أنه يختلف النوع عند اختلاف مجرد ما فيه كما يختلف عند اختلاف الأمور الثلاثة مثل التسخن والتسود ، أو كان الأصل كالتسخن والتبرد فصحف إلى
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (لها).
(٢) التمثيل : مثل الشيء بالشيء سواه وشبهه به وجعله على مثاله فالتمثيل هو التصوير والتشبيه.
(٣) علل الشيء بين علته وأثبته بالدليل ، وأعله سقاه ثانية ، وأعله الله ، أصابه بعلة والتعليل : تبين علة الشيء.