ما مر من (١) تفسير التضاد ، وتفسير الملكة والعدم هو الذي أورده قدماء الفلاسفة في أوائل المنطق ، وأما في مباحث الفلسفة فقد اعتبروا في كل منهما قيدا آخر وهو في المتضادين ، أن يكون بينهما غاية الخلاف ، كالسواد والبياض ، بخلاف البياض والصفرة وفي الملكة والعدم ، أن يكون العدم سلب الوجود عما (٢) هو من شأنه في ذلك الوقت كعدم اللحية عن الكوسج بخلافه عن الأمرد ، وكل من التضاد والملكة والعدم ، بالمعنى الأول أعم منه بالمعنى الثاني ضرورة أن المطلق أعم من المقيد (٣) إلا أن المطلق من التضاد يسمى بالمشهوري لكونه المشهور فيما بين عوام الفلاسفة والمقيد بالحقيقي لكونه المعتبر في علومهم الحقيقية ، والملكة والعدم بالعكس حيث يسمون المطلق بالحقيقي ، والمقيد بالمشهوري ، ولما كان تقابل مثل البياض مع الصفرة والسواد مع الحمرة ونحو ذلك مما ليس بينهما غاية الخلاف ، وكذا (الالتحاء والمرودة وتقابل البصر وعدمه) (٤) عن العقرب أو الشجر قادحا في حصر التقابل في الأقسام الأربعة لكونه خارجا عن التضاد وعن الملكة والعدم بالمعنى الأخص.
أجاب المتأخرون بأن الحصر (٥) إنما هو باعتبار المعنى الأهم أعني المشهوري من التضاد، والحقيقي من الملكة والعدم ليدخل أمثال ذلك. وفيه نظر ، أما أولا فلأن الضدين في التضاد والمشهوري لا يلزم أن يكونا وجوديين ، بل قد يكون أحدهما عدما للآخر كالسكون للحركة ، والظلمة للنور ، والمرض للصحة ، والعجمة للنطق ، والأنوثة للذكورة ، والفردية للزوجية. صرح بذلك ابن سينا وغيره فهو لا يكون قسيما لتقابل الملكة والعدم ، وتقابل الإيجاب والسلب ، بل وفي كلامهم ، أنه اسم يقع على (٦) التضاد الحقيقي ، وعلى بعض أقسام الملكة والعدم ، أعني ما يمكن فيه انتقال الموضوع من العدم إلى الملكة كالسكون والحركة بخلاف العمى والبصر ، والحق أنه
__________________
(١) في (ب) في بدلا من حرف الجر (من).
(٢) سقط من (ب) لفظ (هو).
(٣) في (ب) القيد بدلا من (المقيد).
(٤) ما بين القوسين سقط من (أ) و (ج).
(٥) في (أ) بزيادة لفظ (إنما).
(٦) في (ب) يقع اسم على التضاد وسقط من (أ) حرف الجر (على).