قلنا : ذاك في العلل المعدة ، وكلامنا في العلل المؤثرة. فالأب بالنسبة إلى الابن ليس إلا معدا للمادة لقبول الصورة ، وإنما تأثيره في حركات وأفعال تقضي إلى ذلك وتنعدم بانعدام قصده ومباشرته ، وفي هذا قياس سائر الأمثلة. فإن البناء إنما يؤثر في حركات تقضي إلى ضم أجزاء البناء بعضها بالجواز إلى بعض ، ووجوده إنما هو أثر التمسك المعلول ليس العنصر هذا على رأي الفلاسفة ، وأما على رأي القائلين باستناد الكل إلى الواجب بطريق الاختيار وتعلق الإرادة فالأمر بين.
المؤثر في الوجود مؤثر في البقاء
(قال : والمؤثر في الوجود قد يكون هو المؤثر في البقاء (١) كالشمس للضوء (٢) وقد يكون غيره (٣) كمماسة النار للاشتعال (٤) واستمرارها بمعونة الأسباب لبقائه (٥)).
يريد أن ما يفيد وجود الشيء قد يفيد بقاءه من غير افتقار إلى أمر آخر كالشمس تفيد ضوء المقابل وبقاءه ، وقد يفتقر البقاء إلى أمر آخر ، وهذا ما يقال : إن علة الحدوث غير علة البقاء كمماسة النار تفيد الاشتعال ثم يفتقر بقاء الاشتعال إلى استدامة المماسة واستمرارها بتعاقب الأسباب.
__________________
(١) أي في بقاء ذلك الموجود.
(٢) لحاصل في مقابلها فإنها هي المؤثرة في وجود ذلك الضوء ، وهي المؤثرة في بقائه على المقابل لأنها إذا غابت عن المقابل انتفى بقاء ضوئها عليه.
(٣) أي غير المؤثر في الوجود.
(٤) الذي هو أخذ النار المشتعل فيه وشروعها في حروقه فإن تلك المماسة علة الاشتعال أولا.
(٥) أي لبقاء ذلك الاشتعال.