وإذا كان تكثر المعلول مستلزما التكثر (١) في الفاعل ، كان وحدة الفاعل مستلزمة لوحدة المعلول بحكم عكس النقيض ، ولا خفاء في أن هذا كلام قليل الجدوى ، بعيد عن أن يجعل (٢) من معارك الآراء ، وتفسيره على هذا الوجه يهدم أساس المسائل المبنية على أنه لا يصدر (٣) من البسيط شيئان. فانه يجوز أن يصدر عنه أشياء ، ويكون عليته لكل منها مفهوما اعتباريا مغايرا لعليته للآخر (٤) ولا يقدح ذلك في وحدته وبساطته الحقيقية ، وإلا لما جاز أن يصدر عنه شيء أصلا لأن علميته لذلك الشيء مفهوم مغاير لذات العلة بحسب التعقل ضرورة كونه نسبة له (٥) إلى المعلول.
الوجه الثاني : أن الواحد الحقيقي إذا صدر عنه (أ) فلو صدر عنه (ب) لزم اجتماع النقيضين لأن (ب) ليس (أ) وليس (أ) نقيض (أ) (٦) بخلاف ما إذا تعددت الجهة ، فإن كلا من صدور (أ) وليس (أ) يستند إلى جهة ، فيكون ما صدر عنه ، غير ما صدر عنه ليس (أ) فلا يكون تناقضا ، ولما كان فساد هذا الوجه في غاية الظهور ، فإن نقيض صدور (أ) عدم صدور (أ) وهو ليس ملازم ، وإنما اللازم صدور ما ليس (أ) وهو ليس بنقيض حتى قال الإمام : العجب ممن يفنى عمره في المنطق ليعصمه عن الغلط ، ثم يهمله في مثل هذا المطلب الأعلى فيقع في الغلط الذي يضحك منه الصبيان ، قرره بعضهم بأن عدم صدور (أ) صادق على صدور ما ليس (أ) فإذا اجتمع في الواحد صدور (أ) وصدور ما ليس (أ) فقد اجتمع صدور (أ) وعدم صدور (أ) وهما نقيضان ، وهذا أيضا فاسد ، لأن الممتنع من اجتماع النقيضين هو صدقهما على شيء واحد (٧) بطريق حمل المواطأة بأن يصدق على الواحد أنه صدر عنه (أ) ولم يصدر عنه (أ) لا بأن تواجدا فيه ، ويحملا عليه بالاشتقاق كالأبيض الحلو الذي يوجد فيه البياض واللابياض الذي هو الحلاوة. وهاهنا كذلك ، لأنه قد وجد في
__________________
(١) في (ب) لتكثير في الفاعل.
(٢) في (ب) يحصل بدلا من (يجعل).
(٣) في (ب) عن بدلا من حرف الجر (من).
(٤) في (ب) للأخرى بدلا من (الآخر).
(٥) سقط من (أ) لفظ (له).
(٦) في (ب) بعض بدلا (نقيض).
(٧) سقط من (ب) لفظ (واحد).