السواد مقصد المتحرك بالتحصيل فلا يجب بل يمتنع أن يكون موجودا لامتناع تحصيل الحاصل ، ثم لا يخفى أن معنى الحصول في الجهة الحصول عندها وصولا وقربا ، كما أن معنى التحرك في جهة كذا التحرك في سمت يتأتى إليها ، وذلك لأن كلا من المتحرك والحركة منقسم ، فلا تقع حقيقة إلا في منقسم ، والجهة لا تقبل الانقسام. أعني في مأخذ الحركة والإشارة إذ لو انقسمت إلى جزءين مثلا ، فالجزء الذي يلي المتحرك ، إما أن لا يتجاوزه المتحرك بحركته إذا وصل إليه فيكون هو الجهة من غير مدخل للجزء الآخر ، وإما أن يتجاوزه فتلك الحركة ، إما حركة عن الجهة ، فالجهة هي الجزء الأول فقط ، وإما إلى الجهة فهي الثاني فقط ، لا يقال بل في جهة لأنا نقول الحركة في الشيء (١) المنقسم لا محالة تكون إما عن جهة ، أو إلى جهة ، ويعود المحذور للقطع بأن الجهة هي مقصد المتحرك لا المسافة التي تقطع بالحركة ، وهذا يدل على أنها لا تقبل الانقسام في مأخذ الحركة والإشارة وهي كاف في إفادة المطلوب. أعني امتناع وقوع الجسم أو الحركة فيها ، ولا يدل على أنها لا تقبل الانقسام أصلا حتى لا تكون إلا نقطة ، بل ربما تكون خطا أو سطحا ، بقي الكلام في أن طرف كل امتداد ، ومنتهى كل إشارة جهة (٢) حتى تكون جهات كل جسم أطراف امتداداته فيكون على سطحه أم الجهة
__________________
د ـ وتقال الحركة على تبدل حالة قارة في الجسم يسيرا يسيرا على سبيل اتجاه نحو شيء ، والوصول بها إليه هو بالقوة لا بالفعل (ابن سينا. النجاة ص ١٦٩)
وللحركة عند القدماء أيضا أقسام مختلفة وهي :
١ ـ الحركة في الكم : وهي انتقال الجسم من كمية الى أخرى كالنمو والذبول.
٢ ـ الحركة في الكيف : وهي انتقال الجسم من كيفية الى أخرى كتسخن الماء وتبرده ، وتسمى استحالة ، والحركة الكيفية النفسانية هي حركة النفس في المعقولات ، وتسمى فكرا أو حركتها في المحسوسات وتسمى تخيلا.
٣ ـ الحركة في الأين ، وهي حركة الجسم من مكان الى آخر وتسمى نقلة والمتكلمون اذا اطلقوا الحركة أرادوا بها الحركة الأينية فقط.
(١) في (ب) الجهة بدلا من (الشيء)
(٢) الجهة في الأصل هي الجانب والناحية والموضع الذي تتوجه إليه وتقصد قال ابن سينا : إننا نعني بالجهة شيئا إليه مأخذ حركة أو إشارة (جامع البدائع ١٥٤) والجهة والحيز متلازمان في الوجود ، لأن كلا منهما مقصد للمتحرك الأين إلا أن الحيز مقصد للمتحرك بالحصول فيه ، والجهة مصدر له بالوصول إليها والقرب منها فالجهة منتهى الحركة لا ما ـ