فإنه ليس ترجحا بلا مرجح ، بل ترجح المختار أحد المقدورين من غير مرجح خارج واستحالته ممنوعة كما في أكل الجائع أحد الرغيفين ، وسلوك الهارب أحد الطريقين.
فإنه قيل : لا نزاع في أن نفس الإرادة لا يكفي في وجود المراد ، بل لا بد من تعلقها ، فإن كان قديما كان (١) العالم قديما ، وإن كان حادثا ، كان ذلك الترجح ترجحا (٢) بلا مرجح.
قلنا : لا بل ترجيحا به ، فإن تعلق الإرادة مما يقع بالإرادة من غير افتقار إلى أمر آخر ، والحاصل إنما نجعل شرط الحوادث تعلق الإرادة وتلتزم فيه التخلف عن تمام العلة.
دليل آخر على إمكان قدم العالم
والرد عليه
[قال (الثاني)
إن كلا من إمكان العالم وصحة تأثير الواجب فيه أزلي ، وإلا لزم الانقلاب ، فلو لم يكن وجوده أزليا لزم ترك الجود (٣) مدة غير متناهية.
والجواب : أنه مع كونه خطابيا مبنى على عدم التفرقة بين أزلية الإمكان وإمكان الأزلية ، وقد سبق مثله آنفا].
لما كان إمكان (٤) العالم أزليا ، وكذا صحة تأثير الصانع فيه ، وإيجاده إياه لزم أن
__________________
(١) سقط من (أ) جملة (قديما كان)
(٢) سقط من (ب) لفظ (ترجحا)
(٣) في (ب) الوجود بدلا من (الجود)
(٤) الإمكان في اللغة : مصدر أمكن امكانا كما تقول اكرم اكراما وهو أيضا مصدر امكن الشيء من ذاته.
والامكان في الشيء عند المتقدمين هو إظهار ما في قوته الى الفعل وذلك انك اذا تصورت طبيعة الواجب كان طرفا وازائه في الطرف الآخر طبيعة الممتنع وبينهما طبيعة الممكن والمسافة التي بين الواجب والممتنع اذا لحظت وسطها على الصحة فهو أحق شيء واولاه بطبيعة الممكن وكلما قربت هذه النقطة التي كانت وسطا الى أحد الطرفين كان ممكنا بشرط وتقييد ، فقيل ممكن قريب من الواجب وممكن بعيد عنه (أبو حيان التوحيدي ومسكويه (كتاب الهوامل والشوامل ص ١٠٠) ـ