أدلة إبطال القائلين بقدم العالم
[قال (هذا والتحقيق)
أن مسبوقية العالم بالعدم ، إنما هو بحسب امتداد وهمي ، تقدر به الأمور نسميه الزمان ، فإن ثبت وجود زمان هو مقدار للحركة ، لم نمنع حدوثه بهذا الاعتبار وبهذا يظهر الجواب عما قيل : إن لم يتقدم وجود الصانع على وجود العالم بقدر غير متناه ، لزم حدوث الصانع ، أو قدم العالم ، وإن تقدم لزم قدم الزمان لأن معنى لا يتناهى القدر وجود قبليات وبعديات منصرمة لا بداية لها ، وهو يستلزم قدم الحركة والجسم].
يريد أن الزمان عندنا أمر وهمي يقدر به المجددات ، وبحسبه يكون العالم مسبوقا بالعدم (١) ، وليس أمرا موجودا من جملة العالم يتصف بالقدم أو الحدوث.
فإن أثبت الفلاسفة وجود الزمان بمعنى مقدار الحركة لم يمتنع سبق المعدم عليه ، باعتبار هذا الأمر الوهمي كما في سائر الحوادث. وبهذا يظهر الجواب عن استدلالهم على قدم العالم ، بأن وجود الباري ، إما أن يكون متقدما على وجود العالم بقدر غير متناه أو لا فعلى الأول : يلزم منه قدم الزمان لأن معنى لا تناهي القدر ، وجود قبليات وبعديات متصرمة لا أول لها ، وهو معنى قدم الزمان ، ويلزم منه قدم الحركة والجسم ، لكونه مقدرا لها. وعلى الثاني يلزم حدوث الباري ، أو قدم العالم. لأن عدم تقدمه على العالم بقدر غير متناه ، إما بأن لا يتقدم عليه أصلا ، وذلك بأن يحصل معه في وقت حدوثه فيكون حادثا ، أو يحصل العالم معه في الأزل ، فيكون قديما ، وإما أن يتقدم عليه بقدر متناه ، وذلك بأن لا يوجد قبل ذلك القدر فيكون حادثا وهو محال.
__________________
(١) العدم فقدان الشيء ما تقتضيه طبيعته من الكمالات الثابتة لنوعه وطبيعته وهو عدم إضافي لا عدم مطلق ويطلق عند المنطقيين على وقوع النسبة بين محمول وموضوع ليس من شأنه أن يكون له ذلك المحمول ، ولا أن يؤدي انتفاؤه عنه الى نقص في ماهيته كقولنا (ليس زيد جالسا) والعدمى هو المنسوب الى العدم ، ويطلق على كل حد يدل على فقدان الشيء لاحدى الصفات التي تقتضيها طبيعته كالعمى للانسان وكل شيء مصيره الى الزوال كالسماء المظلة ، والأرض ، والمال والجاه والملك فهو عدمي.