والجواب أنها مقدمات حدسية ، حيث يحكم العقل الجازم بانتظام السماويات بثبوتها عند إدراك الاختلافات من غير ملاحظة وسط وترتيب ، وهم معترفون بذلك مصرحون به في أمر الخسوف (١) والكسوف (٢) ونحوهما ، ولهذا اختلفوا وترددوا فيما لم يحكم الحدس (٣) به كالمجرة ومحور القمر (٤). وأن اختلاف الشمس بالسرعة والبطء مبني على التدوير أو الخارج المركز وإن حركات أوجات الممثلات بأنفسها أو بالفلك الثامن.
الحدسيات المشهورة عنده
[قال (كما تحدسوا)
من اختلاف التشكلات نور القمر على حسب اختلاف أوضاعه من الشمس ، أنه في نفسه مظلم ، يستضيء بالشمس ، فعند الاجتماع يكون وجهه المظلم إلينا ، وهو المحاق ، وإذا انحرف إلينا من جهة المضيء قدر ما يرى فهو الهلال ، ثم يتزايد إلى أن يبلغ الاستقبال ، فيصير وجهه المضيء كله إلينا وهو البدر ، ثم ينحرف فيأخذ النور في النقصان إلى المحاق].
أورد هاهنا (٥) من الحدسيات المشهورة فيما بينهم إضاءة القمر بالشمس ،
__________________
(١) سبق الكلام على ظاهرة الخسوف في هذا الجزء
(٢) سبق الحديث على ظاهرة الكسوف في هذا الجزء
(٣) الحدس الذي اصطلح عليه الفلاسفة القدماء مأخوذ من معنى السرعة في السير. قال ابن سينا : الحدس حركة الى إصابة الحد الأوسط إذا وضع المطلوب أو إصابة الحد الاكبر اذا اصيب الأوسط وبالجملة سرعة الانتقال من معلوم الى مجهول. (النجاة ص ١٣٧)
وقال الجرجاني في تعريفاته : الحدس هو سرعة انتقال الذهن من المبادي الى المطالب
وقال التهانوي : الحدس هو تمثل المبادي المرتبة في النفس دفعة من غير قصد واختيار سواء بعد طلب أولا ، فيحصل المطلوب.
والحدس عند بعض الاشراقيين : هو ارتقاء النفس الانسانية الى المبادي العالية حتى تصبح مرآة مجلوة تحاذي شطر الحق ، فتمتلئ من النور الإلهي الذي يغشاها.
(٤) في (ب) نحو بدلا من (محور) وهو تحريف
(٥) في (أ) منها بدلا من (هاهنا)