ينقلب إلى ما يجاوره ، فتقع ثلاثة ازدواجات. أحدها بين النار والهواء ، والثاني بين الهواء والماء ، والثالث بين الماء والأرض ، وإلى غير المجاور بواسطة واحدة ، فيقع ازدواجان. أحدهما بين النار والماء ، والثاني بين الهواء والأرض ، أو بواسطتين ، فيقع ازدواج واحد هو بين النار والأرض ، ويشتمل كل ازدواج على نوعين من الكون والفساد ، أعني انقلاب هذا إلى ذلك. وبالعكس. فالأنواع الأولية ستة. والتي بوسط أربعة ، وبوسطين اثنان ، فالجميع اثنا عشر حاصلة من ضرب كل من الأربعة في الثلاثة الباقية ، ويشهد بوقوع الكل الحس والتجربة ، ولم يقع الاشتباه إلا في انقلاب الهواء ماء.
فقد قيل : إن ركوب القطرات على الإناء المبرد بالجمد ، يجوز أن يكون للرشح أو لانجذاب الأبخرة إليه على ما قال أبو البركات. أن في الهواء المطيف بالإناء أجزاء لطيفة مائية ، لكنها لصغرها وجذب حرارة الهواء إياها لم تتمكن من خرق الهواء والنزول على الإناء ، فلما زالت سخونتها لمجاورة الإناء المبرد بالجمد كثفت ، وثقلت فنزلت ، واجتمعت على الإناء. وردّ الأول. بأنه لو كان للرشح لكان الماء الحار أولى بذلك لكونه ألطف ، ولما كان الندى (١) إلا في مواضع الرشح ، على أن الرشح إنما يتوهم في الإناء المملوء بالجمد دون المكبوب عليه.
والثاني. بأنه لا يتصور بقاء هذا القدر من الأجزاء المائية في الهواء الحار الصيفي ، بل لا بد من أن يتبخر ويتصعد.
ولو سلّم فينبغي أن ينفد أو ينقص بالنزول ، فلا تعود قطرات الإناء بعد إزالتها ، ولو ادعى أنها نزلت من مسافة أبعد لزم أن تكون في زمان أطول ، والوجود بخلافه على أن النزول إنما يكون على خط مستقيم فكيف يقع على جوانب الإناء.
__________________
(١) الندى : المطر والبلل وجمعه أنداء ، وقد جمع على أندية وهو شاذ لأنه جمع الممدود كأكسية ، وندى الأرض (نداوتها) وبللها وأرض ندية على فعلة بكسر العين ولا تقل ندية ، وقيل الندى : ندى النهار ، والسدى : ندى الليل ، وندى الشيء ابتل فهو ند وبابه : صدى وندوّة أيضا نقله الأزهري.