في قرب الشمس من سمت الرأس وهو محال ، فيجوز أن يشتد حرّ صيف البلدة المفروضة ، بسبب تزايد طول النهار على الليل إلى الضعف تقريبا ، لأن طول نهارها يبلغ ست عشرة ساعة تقريبا ، وقصر لياليها ثماني ساعات كذلك ، بخلاف خط الاستواء ، فإن الليل والنهار فيه دائما على السواء ، فيتعادل الحر والبرد ، وأيضا المألوف لا يؤثر ، فلعل أهل خط الاستواء لإلفهم بالحرّ لا تتأثر أمزجتهم ، ولا تتسخن من حرّ مسامتة الشمس ، ويستبردون الهواء عند بعد المسامتة ، أعني كون الشمس في الانقلابين ، فيبقى الاعتدال بخلاف البلدة المفروضة ، فإن الحر يشتد على جسمهم ، ويؤثر فيهم لعدم إلفهم به ، ولانتقالهم إليه من شدة البرد ، وإن كان على التدريج ، ولا يخفي على المصنف ضعف هذا الجواب ، وكذا إسناد حرّ البلدة إلى الأسباب الأرضية.
وأما الجواب عن احتجاج ابن سينا على كون سكان خط (١) الاستواء أقرب الأصناف إلى الاعتدال الحقيقي ، بالنظر إلى أوضاع العلويات ، فهو أن تشابه الأحوال بمعنى أنه لا يطرأ عليهم تغير يعتد به ، ولا تلحقهم كذلك (٢) نكاية من حر أو برد لا يفيد المطلوب. أعني قربهم من الاعتدال الحقيقي الذي تساوي فيه (٣) الكيفيات لجواز أن يكون البالغ في الحرارة أو البرودة المألوفة كذلك.
وذهب جمع من الأوائل ، وكثير من المتأخرين إلى أن أعدل الأصناف سكان الإقليم الرابع استدلالا بالآثار كما هو مذكور في المتن ، غني عن الشرح ، وفيه إشارة إلى دفع اعتراضين :
أحدهما : أن كثرة التوالد والتناسل وتوفر العمارات وغير ذلك من الكمالات ، إنما يتبع الاعتدال العرضي الذي هو توفر القسط الأليق من الكيفيات لا الحقيقي الذي هو تساويها ، وفيه النزاع. ودفعه أن المعتدل الفرضي كلما كان إلى المعتدل الحقيقي أقرب ، وبالواحد المبدأ أنسب ، كان بإفاضة الكمال أجدر ، فيتم
__________________
(١) سقط من (أ) لفظ (خط).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (كذلك).
(٣) في (أ) بزيادة لفظ (فيه).