[قال (وأما المباحث)
المبحث الأول
ففي أقسام الممتزج وتسمي المواليد وهي المعدنيات والنبات والحيوان. لأنه إن تحقق فيها مبدأ التغذية والتنمية ، فإما مع مبدأ الحس والحركة وهو الحيوان أو لا وهو النبات وإلا فالمعادن ، ولا قطع لعدم الحس والحركة فيهما ، بل ربما يدعي ذلك في النبات ، ويستشهد بالامارات. ولما كان اختلاف مراتب الصورة في الكمال باختلاف الأمزجة في القرب من الاعتدال ، لم يبعد أن لا ينتهي نقصان الاستحقاق في البعض إلى حد الانتفاء ، بل الضعف والخفاء].
بعد الفراغ من مقدمة القسم الرابع من الأقسام الأربعة المرتب عليها الكلام فيما يتعلق بالأجسام على التفصيل وهو في المركبات التي لها مزاج ، شرع في مباحثه. وهي ثلاثة حسب أقسام (١) الممتزج المسماة بالمواليد الثلاثة. أعني المعادن والنبات والحيوان. ووجه الحصر أن الممتزج إن تحقق فيه مبدأ التغذية والتنمية. فإما مع تحقق مبدأ الحس والحركة الإرادية ، وهو الحيوان ، أو بدونه وهو النبات ، وإنه لم يتحقق ذلك فيه ، فالمعادن. وإنما قلنا مع تحقق مبدأ الحس والحركة ، لأنه لا قطع بعدهما في النبات والمعدن. بل ربما يدعى حصول الشعور والإرادة للنبات ، لامارات تدل على ذلك ، مثل ما نشاهد من ميل النخلة الأنثى إلى الذكر ، وتعشقها به ، بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر (٢) ، وميل عروق الأشجار إلى
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (أقسام)
(٢) قال تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ومعنى «لواقح» حوامل : لأنها تحمل الماء والتراب والسحاب والخير والنفع قال الازهري : وجعل الريح لاقحا لأنها تحمل السحاب أي تقله وتصرفه ، أي تنزله قال تعالى : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حملت ، وناقة لاقح ونوق لواقح إذا حملت الأجنة في بطونها ، وقيل : لواقح بمعنى ملقحة وهو الأصل ، ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح ، كأن الرياح لقحت بخير ، وقيل ذوات لقح وكل ذلك صحيح أي منها ما يلقح الشجر كقولهم : عيشه راضية ، أي فيها رضا ، وليل نائم أي فيه نوم. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح التي ذكرها الله في كتابه وفيها منافع للناس وروى عنه عليهالسلام أنه قال : ما هبت جنوب إلا أتبع الله بها عينا غدقة وقال أبو بكر بن عياش : لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربعة فيها فالصبا تهيجه ، والدبور تلقحه ، والجنوب تدره ، والشمال تفرقه.