البعيد أيضا ، لم يحصل التمييز بن ما يجب دفعه ، وما لا يجب ، فيفوت الغرض من خلق اللامسة (١). أعني رفع الضار ، وجلب النافع.
واللامسة (٢) للحيوان في محل الضرورة ، كالغاذية للنبات.
قال ابن سينا : أول الحواس الذي يصير به الحيوان حيوانا هو اللمس ، فإنه كما أنه (٣) للنبات قوة غاذية ، يجوز أن تفقد سائر القوى دونها ، كذلك حال اللامسة (٤) للحيوان ، لأن مزاجه من الكيفيات الملموسة ، وفساده باختلافها ، والحس طليعة للنفس ، فيجب أن تكون الطليعة الأولى هو ما يدل على ما يقع به الفساد ، ويحفظ به الصلاح ، وأن يكون قبل الطلائع التي تدل على أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عند القوام ، أو مضرة خارجة عن الفساد والذوق ، وإن كان دالا على الشيء الذي به تستبقى الحياة من المطعومات ، فقد يجوز أن يبقى الحيوان بدونه ، بإرشاد الحواس الأخر على الغذاء الموافق ، واجتناب المضاد ، وليس شيء منها يعين على أن الهواء المحيط بالبدن محرق ، أو مجمد.
وبالجملة فالجوع شهوة الحار اليابس ، والعطش شهوة البارد الرطب ، والغذاء ما يتكيف بهذه الكيفيات اللمسية (٥) ، وأما الطعوم فتطيبات. فلذلك كثيرا ما يبطل حس الذوق أو غيره ، ويبقى الحيوان حيوانا بخلاف اللمس ، ولشدة الاحتياج إليه ، كان بمعونة الأعصاب ، ساريا في جميع الأعضاء ، إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية ، لئلا يتأذى بما يلاقيها من الحار اللاذع (٦). فإن الكبد مولد للصفراء ، والسوداء ، والطحال والكلية ، معينان (٧) لما فيه لذع ، وكالرئة فإنها دائمة الحركة ، فتتألم باصطكاك (٨) بعضها ببعض ، ومولد للأبخرة الحادة ،
__________________
(١) في (ب) الملامسة بدلا من (اللامسة)
(٢) في (ب) الملامسة بدلا من (اللامسة)
(٣) سقط من (أ) لفظ (إنه)
(٤) في (ب) الملامسة بدلا من (اللامسة)
(٥) سقط من (ب) لفظ (اللمسية)
(٦) في (أ) الذراع بدلا من (اللاذع) وهو تحريف.
(٧) في (ب) يخصان بدلا من (معينان)
(٨) في (أ) باسككاك وهو تحريف