الافتراق ، بحيث لا يبقى اجتماع أصلا ، وذلك لأن نسبة القدرة إلى الضدين على السواء ، وإذا حصل الافتراق ثبت الجزء الذي لا يتجزأ ، إذ لو كان قابلا للتجزي لكان الاجتماع باقيا هذا خلف.
الثاني : أنه لو لم يثبت الجزء الذي لا يتجزأ لما كان الجبل أعظم من الخردلة ، لأن كلا منهما حينئذ يكون قابلا لانقسامات غير متناهية ، فتكون أجزاء كل منهما غير متناهية من غير تفاضل ، وهو معنى التساوي.
فإن قيل : غايته لزوم الاستواء في عدد الأجزاء ، بأن يكون أجزاء كل منهما غير متناهية العدد ، وهو غير محال ، والمحال استواء مقداريهما ، وهو غير لازم.
أجيب : بأن الاستواء في الأجزاء يستلزم الاستواء في المقدار ، ضرورة أن تفاوت المقادير إنما هو بتفاوت الأجزاء ، بمعنى أن ما يكون مقداره أعظم تكون أجزاؤه أكثر ، فما لا تكون أجزاؤه أكثر لا يكون مقداره أعظم. وقد تقرر هذا الوجه بحيث لا يبتنى على استلزام قبول الانقسام حصول الأقسام ، وهو أنه لو كان كل من السماء والخردلة قابلا للانقسام من غير انتهاء إلى ما لا يقبل الانقسام أصلا ، كانت الأجزاء الممكنة حينئذ (١) في كل منهما متساوية للتي في الأجزاء (٢) الأخر ، وأمكن أن يفصل من الخردلة صفائح تغمر وجهى السماء ، بل أجزاء تغمر الوجهين ، وتملأ ما بين السطحين ، وبطلانه ضروري. وجوابه بعد تسليم البطلان ما سبق أن ليس معنى قبول الانقسامات الغير المتناهية إمكان خروجها من القوة إلى الفعل. فمن أين يلزم إمكان حصول أقسام لا نهاية لها ، وإمكان انفصالها؟
الثالث : أنه لو لم ينته انقسام الجسم إلى ما لا يكون له امتداد ، وقبول انقسام لزم أن يكون امتداد كل جسم حتى الخردلة غير متناه القدر ، لتألفه من امتدادات غير متناهية العدد ، ومنها ما يبتنى على كون الحركة عبارة عن حصولات متعاقبة من غير استقرار ، والزمان (٣) عبارة عن آنات متتالية ، وهو وجه واحد ، تقريره أن وجود
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (حينئذ)
(٢) في (ب) بزيادة كلمة (الأجزاء)
(٣) الزمان : الوقت كثيرة وقليله وهو المدة الواقعة بين حادثتين أولاهما سابقة وثانيتهما لا حقة ، ـ