الحركة في المسافة معلوم بالضرورة ، مع القطع بأن الماضي منها ليس بموجود الآن ، بل حين كان حاضرا ، والمستقبل إنما يصير موجودا حين يصير حاضرا. فالموجود منها هو الحاضر لا غير ، وهو لا يقبل الانقسام ، وإلا لكان شيء منه قبل أو بعد ، لكونه غير قار الذات ، فلا يكون بتمامه حاضرا هذا خلف. أو نقول لو انقسم الحاضر لكان في الحركة اجتماع أجزاء (١) فيكون قار الذات هذا خلف وإذا ثبت في الحركة جزء غير منقسم (٢) وهي منطبقة على المسافة ، بمعنى أن كل جزء منها على جزء منها ثبت في المسافة جزء غير منقسم (٣) ، لامتناع انطباق غير المنقسم على المنقسم ، وهو المطلوب.
ثم إذا حاولنا إثبات ما هو المقصود. قلنا الحاضر يحصل عقيب انقضاء جزء آخر حاضر غير منقسم يكون هو الموجود من الحركة ، وهكذا إلى أن ينتهي. فإذن الحركة مركبة من أجزاء لا تتجزأ. أو قلنا : كل جزء من الحركة حاضر حينا ما ، وكل ما هو حاضر حينا ما هو غير منقسم بالضرورة ، فكل جزء منها غير منقسم ، وهو معنى تركبها من أجزاء لا تتجزأ ، فكذا المسافة لانطباقها عليها ، وقد يستعان في ذلك بالزمان ، لأن عدم الاستقرار فيه أظهر ، حتى كأنه نفس ماهيته ، ولا يتوهم فيه ما يتوهم في الحركة من تخلل وسكون ، أو لزوم وقوع ، أي جزء منها في زمان قابل للانقسام. فيقال : الموجود منه هو الحاضر الذي لا يقبل الانقسام ولو بالفرض.
لأن معناه صحة فرض شيء غير شيء وهذا ينافي عدم الاستقرار الذاتي ، ثم
__________________
ـ ومنه زمان الحصاد ، وزمان الشباب ، وزمان الجاهلية وجمع الزمان أزمنة ، أي أقسام وفصول ونقول : الأزمنة القديمة والأزمنة الحديثة.
والزمان في أساطير اليونانيين هو الاله الذي ينضج الأشياء ويوصلها الى نهايتها ..
والفرق بين الزمان والدهر والسرمد : أن نسبة المتغير إلى الثابت هي الزمان ونسبة الثابت إلى المتغير هي الدهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت هي السرمد لقد زعم أرسطو أن الزمان مقدار حركة الفلك الأعظم وذلك لأن الزمان متفاوت زيادة ونقصانا فهو إذن كم ، وليس كما منفصلا لامتناع الجوهر الفرد فلا يكون مركبا من آنات متتالية فهو إذن كم متصل ، إلا أنه غير قار ، فهو إذن مقدار لهيئة غير قارة وهي الحركة.
(١) في (ب) آخر بدلا من (أجزاء).
(٢) في (ب) مستقيم بدلا من (منقسم)
(٣) في (ب) مستقيم بدلا من (منقسم)