المبحث الثالث
[قال (المبحث الثالث) :
اتفق القائلون بمغايرة النفس للبدن ، على أنها لا تفني بفنائه ، لظهور أن علاقة التدبير لا تقتضي ذلك ، إلا أن دليل بقائها عندنا السمع ، وعند الفلاسفة امتناع فنائها ، لاستنادها إلى القديم استقلالا أو بشرط في الحدوث دون البقاء ، وهو ضعيف ، ولأنها لو فنيت لكانت في مادة كالصور والأعراض ، لأن قوة الفناء وقبوله ، بمعنى إمكانه الاستعدادي ، لا الذاتي الاعتباري يفتقر إلى محل يبقى عند حصول المقبول ، ويقوم به ما هو من صفات النفس. وردّ بمنع ذلك في المقبول العدمي].
يعني أن فناء البدن ، لا يوجب فناء النفس المغايرة له مجردة كانت أو مادية أي جسما حالا فيه ، لأن كونها مدبرة له ، متصرفة فيه ، لا يقتضي فناءها بفنائه ، لكن مجرد ذلك لا يدل على كونها باقية البتة. فلهذا احتيج في ذلك إلى دليل ، وهو عندنا النصوص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهي من الكثرة والظهور بحيث لا تفتقر إلى الذكر ، وقد أورد الإمام في المطالب العالية من الشواهد العقلية والنقلية في هذا الباب ما يفضي ذكره إلى الاطناب. وأما الفلاسفة فزعموا أنه يمتنع فناء النفس بوجهين :
أحدهما : أنها مستندة إلى علة قديمة ، إما بالاستقلال فتكون أزلية أبدية ، وإما بشرط حادث هو المزاج الصالح ، فلا تكون أزلية ، لكنها أبدية لأن ذلك شرط للحدوث دون البقاء ، وعليه منع ظاهر (١).
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (ظاهر).