[قال (ووقوع بعض الغرائب) :
من الحيوانات الأخر على ما تقرر في علم الحيوان (١) ، وربما يشهد بأن لها أيضا نفوسا مجردة ، والعلم عند الله].
ذهب جمهور الفلاسفة ، إلى أنه ليست لغير الإنسان من الحيوانات ، نفوس مجردة ، مدركة للكليات ، وبعضهم إلى أنا لا نعرف وجود النفس لها لعدم الدليل ، ولا نقطع بالانتفاء لقيام الاحتمال ، وما يتوهم من أنه لو كانت لها نفوس ، لكانت إنسانا ، لأن حقيقته النفس والبدن لا غير ، ليس بشيء ، لجواز اختلاف النفسين بالحقيقة ، وجواز التميز لفصول أخر لا يطلع على حقيقتها ، وذهب جمع من أهل النظر إلى ثبوت ذلك تمسكا بالمعقول والمنقول. أما المعقول. فهو أنا نشاهد منها أفعالا غريبة تدل على أن لها إدراكات كلية ، وتصورات عقلية ، كالنحل في بناء بيوته المسدسة (٢) ، والانقياد لرئيس ، والنمل في إعداد الذخيرة (٣) ، والإبل والبغل (٤) والخيل والحمار ، في الاهتداء إلى الطريق في الليالي المظلمة ، والفيل في غرائب أحوال تشاهد منه ، وكثير من الطيور والحشرات في علاج أمراض تعرض لها ، إلى غير ذلك من الحيل العجيبة التي يعجز عنها كثير من العقلاء ، وأما المنقول فكقوله تعالى (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (٥) وقوله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (٦) الآية. وقوله تعالى (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ
__________________
(١) يقول عالم أمريكي اتجهت أنا وكلبي المعلم إلى الغابة وتوغلنا فيها بحثا عن النافع النادر. وكم كانت دهشتي عند ما شاهدت ثعبانا ينقض على قدم كلبي ويفرغ فيه كل سمه. وأسرعت خلف الكلب الذي فر هاربا أريد أن أمسك به حتى أعمل له الضمانات اللازمة واعطيه المصل الوافي من هذا السم.
ولكن الكلب كان أسرع مني إذا أخذ يبحث في الغابة عن شيء معين من أنواع النباتات وأخذ يلتهم منه كمية كبيرة. وبعدها شفي تماما من لدغة الثعبان ، وعند تحليل هذه الحشائش أحسسنا أن بها ما يشفي من كل السموم ونتساءل كيف اهتدى الحيوان وضل الإنسان؟
(٢) وهذا مشاهد في كثير من بيوت النحل ويشهد المهندسون المتخصصون بما في ذلك من حكمة وتدبير.
(٣) المشاهد في جماعات النمل أنها تبقى في الصيف تجمع الغذاء وتقوم بتخزينه إلى فصل الشتاء.
(٤) تصدر من هذه الحيوانات أفعال تجعل الإنسان يقف أمامها مشدوها.
(٥) سورة النور آية رقم ٤١
(٦) سورة النحل آية رقم ٦٨