الفصل الثاني
في العقل
المبحث الأول
[قال (الفصل الثاني في العقل) :
وفيه مباحث :
المبحث الأول في إثباته. وفيه وجوه :
الأول : أول المخلوقات يلزم أن يوجد وحده ، ويوجد ما بعده ، وما ذاك إلا العقل(١) ، لأن للجسم كثرة ، وللهيولي (٢) ، أو الصورة أو العرض افتقارا إلى غير علته في الوجود ، وللنفس في الإيجاد ، وإلا لكان عقلا.
الثاني : علة أول الأجسام يلزم أن تشتمل على الكثرة لئلا يتعدد أثر الواحد ، ويستغني في ذاتها وفعلها عن الجسمية لئلا يفضي إلى تقدم الشيء على نفسه. أما الجسم والعرض فظاهر ، وأما النفس فلأن فعلها مشروط بالجسم ، وأما الهيولي والصورة ، فلأنه لا يحصل أحدهما بدون الأخرى. ومبنى الوجهين على امتناع صدور الكثير من الواحد ، ونفي الاختيار والصفات. مع أن المعلول الأول لا يلزم أن يكون موجدا لما بعده ، بل واسطة ، فلا يمتنع أن يكون نفسا ، أو أحد جزئي الجسم ، وأيضا افتقار النفس إلى الجسم في إدراكاتها لا يمنع استقلالها بإيجاد الجسم].
احتجت الفلاسفة على ثبوته بوجوه :
أحدها : أن المعلول الأول يجب أن يكون جوهرا مفارقا (أي ليس جسما ولا
__________________
(١) سبق الحديث عن العقل في كلمة وافية في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
(٢) تكلمنا عن الهيولي والصورة ووضحنا الاصطلاحات الخاصة بهما في الجزء الثاني من هذا الكتاب.