[قال (ثم إنهم أبطلوا)
كون الجسم من أجزاء لا (١) تتجزأ وهما لا فعلا بأنها لما كانت متساوية في الطبع بزعمهم جاز على كلّ ما جاز على الكل بحسب الذات ، وإن امتنع بعارض تشخص أو غيره].
يشير إلى إبطال ما ذهب إليه ديمقراطيس وجمع من القدماء ، من أن ما يشاهد من الأجسام المفردة كالماء مثلا ليست ببسائط على الإطلاق ، بل إنما هي حاصلة من تماس بسائط صغار متشابهة الطبع ، في غاية الصلابة ، غير قابلة للقسمة (٢) الانفكاكية ، بل الوهمية فقط ، وبهذا وبتسميتها أجساما يمتاز هذا المذهب عن مذهب القائلين بالجزء ، وتقريره أن تلك الأجزاء لما كانت متشابهة الطبع باعترافهم جاز على كل منها ما جاز على الآخرين ، وعلى المجموع الحاصل من اجتماعها ، والقسمة الانفكاكية مما لا يجوز على المجموع ، فيجوز على كل جزء ، إذ لو امتنعت على الجزء نظرا إلى ذاته ، لامتنعت على المجموع ، ثم إمكان الانفكاك نظرا إلى الذات لا ينافي امتناعه لعارض تشخص أو غيره ، من صور نوعية أو غاية صغر أو صلابة ، أو عدم آلة قطاعة ، أو نحو ذلك. فلا يرد اعتراض الإمام بأن الامتدادات الجسمية غير باقية عند الانفصال ، ومتجردة عند الاتصال ، فهي أمور متشخصة ، ولعلها تمنع الماهية المشتركة عن فعلها.
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (لا)
(٢) القسمة في اللغة اسم من انقسام الشيء ، وعند الرياضيين تجزئة الشيء ، فإذا أردت ان تقسم عددا على آخر جزءان الأول بقدر العدد الثاني ، ويسمى الأول بالمقسوم والثاني بالمقسوم عليه ، والناتج خارج القسمة.
أما عند المنطقيين فالقسمة مرادفة للتقسيم ، وهو ارجاع التصور الى أقسامه ولها عندهم وجهان الأول : ارجاع المركب الى أجزائه أو عناصره ، ويسمى هذا الارجاع تجزئة أو تحليلا والثاني ارجاع الكلي الى جزئياته أو انقسام الكلي بحسب الماصدق الى أصناف أو أفراد تندرج تحته ، وسبيل ذلك أن يضاف الى ذلك الكلي قيد يخصه فينشأ عن هذه الإضافة مفهوم جديد يسمى قسما والقسمة الثنائية : هي المثل الأعلى عند أفلاطون مثال ذلك قولنا السياسة علم ، والعلم نظري وعملي ، والسياسة تدخل في النظري ، والعلم النظري علم يأمر وعلم يقرر والسياسة تدخل في العلم الذي يأمر ، وهكذا دواليك حتى يتحدد معنى السياسة. «راجع كتاب السياسة ٢٥٨ ـ ٢٦٧».