المستدركة في غاية الخفاء كتناهي الأبعاد.
وثانيهما : النقض بكل بسيط من الفلكيات والعنصريات حيث كانت طبيعة الكل والجزء واحدة ، مع أن الجزء ليس على شكل الكل ومقداره.
وأجيب عن الأول بوجهين :
أحدهما : أن المراد لزوم أحد الأمرين ، أعني الانفصال كما في تشكلات الماء تجعله مياها أو مجرد الانفعال كما في الشمع ، وكل منهما يستلزم المادة على ما سبق من برهاني الانفصال والانفعال ، مع ما عليهما من الإشكال. ولا خفاء في أن هذا مع كونه مخالفا لظاهر تقرير القوم مشتمل على استدراك ، لأن إمكان الانفعال لازم قطعا ، فلا معنى لضم الانفصال إليه ، وجعل اللازم أحدهما ، ولا ينبغي أن يحمل على هذا المعنى عبارة شرح الإشارات (١). حيث قال : هذا الاعتراض ليس بقادح في الفرض ، لأنا لم نجعل لزوم المحال مقصورا على لزوم الفصل والوصل ، بل عليه وعلى لزوم الانفعال (٢) ، وإنما معناها أنا رتبنا لزوم المحال على لزوم الانفصال ، ولزوم الانفعال جميعا ، فإن ثبت كلا اللزومين فذاك ، وإلا فلا خفاء في لزوم الانفعال وهو كاف في لزوم المادة.
وثانيهما : أن ليس المراد انفصال الجسم في نفسه ، بل انفصال الأجسام بعضها عن بعض لمعنى عدم الاتصال عما من شأنه الاتصال ، فإن هذا هو المحوج إلى المادة لا مجرد التمايز والافتراق.
__________________
(١) كتاب الارشاد في (ب) بدلا من (الاشارات) وكتاب الارشاد تأليف إمام الحرمين الجويني. وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى والدكتور على عبد المنعم.
(٢) الانفعال : أطلق في اللغة العربية أولا على إحدى مقولات ارسطو (أن ينفعل) وهي ضد مقولة (أن يفعل) قال ابن سينا الانفعال هو نسبة الجوهر الى حالة فيه بهذه الصفة كالتقطع والتسخن (راجع النجاة ص ١٢٨) وقال الغزالي «الانفعال هو نسبة الجوهر المتغير الى الجوهر المغير ، فإن كل منفعل فعن فاعل ، وكل متسخن ومتبرد فعن مسخن ومبرد بحكم العادة المطردة عند أهل الحق ، وبحكم ضرورة الجبلة عند المعتزلة ، والفلاسفة ، والانفعال على الجملة تغير ، والتغير قد يكون من كيفية الى كيفية مثل تصيير الشعر من السواد الى البياض. (راجع معيار العلم ص ٢٠٩ ـ ٢١٠) وقال الجرجاني : الانفعال هو الهيئة الحاصلة للمتأثر من غيره بسبب التأثير أولا كالهيئة الحاصلة للمنقطع ما دام منقطعا .. التعريفات.