المبحث الخامس
«في أحكام الأجسام»
[قال (المبحث الخامس)
في أحكام الأجسام فمنها أنها متماثلة لا تختلف إلا بالعوارض ، ويجوز على كل ما يجوز على الآخر ، ويبتني على ذلك استناد اختلاف العوارض إلى القادر المختار ، وخرق السموات ، وكثير من خوارق العادات ، وذلك لكونها من محض الجواهر الفردة المتماثلة ، ولاشتراكها في التميز وقبول الأعراض ، [وهما من أخص صفات النفس] (١) وانقسام الجسم إليها. وقد يتوهم أن المراد بتماثلها الاتحاد في المفهوم المشترك بين الأنواع المختلفة ، كالحيوان مثلا ، فيستدل بأن حد الجسم (٢) على اختلاف عباراتهم فيه واحد غير مشتمل على تنويع واختلاف الخواص إنما هو لاختلاف الأنواع].
بعد الفراغ من بيان حقيقة الجسم أخذ في بيان أحكامه ، فمنها أن الأجسام متماثلة أي متحدة الحقيقة ، وإنما الاختلاف بالعوارض ، وهذا أصل يبتني عليه كثير من قواعد الإسلام ، كإثبات القادر المختار ، وكثير من أحوال النبوة والمعاد (٣) ، فإن اختصاص كل جسم بصفاته المعينة لا بد أن يكون بمرجح مختار ، إذ نسبة الموجب إلى الكل على السواء ، ولما جاز على كل جسم ما يجوز على الآخر كالبرد على النار ، والحرق على الماء ثبت جواز ما نقل من المعجزات ، وأحوال القيامة ، ومبنى هذا الأصل عند المتكلمين على أن أجزاء الجسم ليست إلا الجواهر الفردة ، وانها متماثلة لا يتصور فيها اختلاف حقيقة ، ولا محيص لمن اعترف بتماثل الجواهر ، واختلاف الأجسام بالحقيقة من جعل بعض الأعراض داخلة فيها ، وقد
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من (ب)
(٢) في (ب) الاسم بدلا من (الجسم)
(٣) راجع رسالة اضحوية في أمر الميعاد لابن سينا تحقيق الدكتور سليمان دنيا.